Saturday 9th October, 1999 G No. 9872جريدة الجزيرة السبت 29 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9872


هل رأيت الذئب قط؟!

لون رمادي متكدر، عيون حادة تدور بنظرة عدوانية مفترسة، همة وجلد في الطراد، قطعان إثر قطعان,, توفيرا للحماية وحفظا للحقوق، حتى الذئاب قد ادركت خطر الفرقة والتشرذم!!.
من اشهر صفات الذئب انه يناوب بين عينيه في النوم، للحراسة عين,, وللنوم أخرى، كما ورد في عينيه حميد بن ثور الشهيرة:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
إنه لم يحظ سبع من السباع بمثل ماحظي به الذئب في الادب العربي,, فقد نسجت حوله الاساطير وتعددت اسماؤه وكناه، وقيلت في ذكره القصائد، بل ان بعض صفاته لتلصق بالناس عند المناسبة، فالعرب تقول ذؤب الرجل ذآبة إذا صار كالذئب خبثا ودهاءً، ووصف الخبثاء المتلصصون ب(ذؤبان العرب), وأما في الشعر فقد نال الذئب نصيبا اوفر من اخوانه السباع فلامير الشعر القديم- امرىء القيس-مناجاة حميمة مع الذئب الذي مر به يعوي في جوف الوادي:
وواد كجوف العير قفر قطعته
به الذئب يعوي كالخليع المعيّل
فقلت له لما عوى إن شأننا
قليل الغنى ان كنت لما تمول
كلانا اذا ما نال شيئا افاته
ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل
فلقد وجد الشاعر حاله مشابهة لحال ذلك الذئب المقامر كثير الهموم قليل الغنى مهدرا كل مايقع تحت يديه من المال.
واذا تحدرنا قليلا حتى سفوح العصر الاموي نجد ان الفرزدق الذي ينحت الصخر- يصوغ لنا قصة شعرية رائعة -قبل ظهور القصة بمئات السنين- شخصياتها: الشاعر، والذئب ، والشاة، زمانها: ليلة مظلمة حالكة، مكانها: استراحة في واد,,
اناخت فيه قافلة تقل الفرزدق ورفاقه وقد علقوا على ظهر بعير لهم شاة مسلوخة لعشائهم,, غلبهم النوم فتهادت ريّا اللحم تداعب خياشيم ابي جعدة -الذئب- فهب على الفور زائراً ارض المعسكر الليلي,,
واخذ ينهش، استيقظ الفرزدق واخذ يسوي الزاد بينهما- كما يزعم-:
وأطلس عسّال وما كان صاحبا
دعوت بناري موهنا فأتاني
فلما دنا قلت أدن دونك إنني
وإياك في زادي لمشتركان
تعش فإن واثقتني لاتخونني
نكن مثل من ياذئب يصطحبان
وأنت امرؤ ياذئب والغدر كنتما
اخيين كانا ارضعا بلبان
وبعد هذا كله,.
عجبا لنرجسية الشاعر، هو يعلم غدر الذئب وغيلته ثم يشركه في زاده بل يبتغي مواثقته وصحبته، ومن قبله امرؤ القيس فلقد رأينا كيف ان صيحة لذئب خليع تثير لديه شجونا دفينة لو اسر بها الى بعض حسناوات (دارة جلجل) لاغتبطن ايما غبطة.
هل نعد ذلك مشهدا طبيعيا لحالة الهيام الشاعرية التي يعيشها العرب الى يومنا هذا حتى إننا لنرتمي في احضان الذئاب مناجاة وشجونا ثم,, نلعق دماءنا المتحدرة من انيابها!!
ومما يدلنا على مكانة الذئب لدى العرب الاوائل قائمة الاسماء والكنى التي اطلقت عليه ثم نقلت بعد الى بني البشر من امثال (أوس ونهشل وذؤاله,, وابو ثمامة وابو جاعد,,الخ).
واما لون الذئب الرمادي فهو الذي حمل ذلك الاعرابي ان يشبه به اللبن المخلوط الذي قدمه البخلاء اليه عند حلول المساء فقال:
حتى اذا جن الظلام واختلط
جاؤوا بمذق,, هل رأيت الذئب قط؟
علي بن أحمد زعلة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
ملحق المجمعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved