حينما رأيت قافلة هذا الملحق تلملم أطرافها وتجمع عتاد السفر وزاده في رحلة منطلقها داورد استوقفني هذا الركب وأخذت أتأمل تلكم المدينة المتربعة على رابية جميلة في عالية نجد تترامى من حولها صنوف من الجبال والأودية التاريخية التي تحدث عنها الكثير من أرباب التراث وعشاقه فرأيت هذه المدينة غيداء أنفاسها نسمات عليلة تحمل رائحة الخزامي والعرفج والرمث والطلح والعوسج والسلم وخضابها الأقحوان والنفل والحوذان وحليها مناجم من الذهب والفضة والنحاس والحديد تلتمع على ساعديها وغرتها الجميلة وهي تتلقف بذراعيها القادم من عاصمتنا الحبيبة عبر طريق الحجاز القديم فكأنك بها وقد أدارت وجهها إلى المشرق فأشرقت الربى غرة بهية وانثال ثهلان على اكتافها أسود يلامس قدميها والتفت صفراء القرنة نطاقاً زاهياً حول جسدها.
وهذه الغيداء تجمع ملامح ابنة هذه البلاد فهي متحضرة في اشراقة وجهها واكتحالها بالحاضر الزاهي وفي عشقها العمراني وذوقها الرفيع وفي وعيها الثقافي المتنامي وفي فنها وروعة جمالها الخلاب وفي حركتها ورشاقتها الرياضية العصرية وفي ملامح المستقبل في عينيها ولكنها في الوقت نفسه بدوية في ترديدها نغمات الرعاة وأهازيج البادية لابلهم وأغنامهم وبدوية بقراها لضيفها بالاقط والسمن البري وببساطتها وبعدها عن تعقيدات الحياة حتى كأن لسان حالها ينشد قول الشاعرة:
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلى من لبس الشفوف |
وهي في كل الأحوال ابنة هذا البلد الكريم ورثت منه الكرم الأصيل فتقدم لزائريها مائدة من التمر والقمح والخضار والفاكهة أقبل عليها عشاقها من القرى ومضارب البادية وقطنوا ربعها حتى ما جت بهم الانجاد وتمازجوا في مجتمع حضاري عصري فازدادت بهم اعتزازاً وأخذت ترمي باردانها في كل صوب وتكتسي حللاً جديدة من أروع ما تكتسيه مثيلاتها ولا زالت تلامس مع اطلاقة كل صباح وطني مشرق يداً أبوية كريمة تمسح على جبينها وتنثر على هامها دنانير الخير وتمسك بكفيها واطراف اناملها وتأخذ بها نحو الشموخ والازدهار.
تلكم الغيداء أيها القراء الأعزاء هي داورد أو الدوادمي المدينة التي تتحدث عنها صفحات هذا الملحق ولكم أن تتخيلوا مثلي أن كل مدننا غيد يمشين الهوينا على هذا الثرى الطاهر يحركن فينا لواعج الشوق والاعجاب فنزداد بهن عشقاً وولهاً وما هن إلا أفراد عائلة مسلمة كبيرة تسمى المملكة العربية السعودية وعاهلها فهد بن عبدالعزيز فحفظ الله الأسرة ومليكها وابقاه لها راعيناً أميناً.
مبارك بن محمد العصيمي