تمكنت المنظمات الأمريكية العربية من الغاء شعار القدس عاصمة اسرائيل من على جناحها في القرية الألفية بمعرض والت ديزني، الذي سيفتتح في مدينة اورلندو بولاية فلوريدا في نهاية الشهر الحالي سبتمبر أو بداية الشهر القادم اكتوبر من عامنا الجاري 1999م.
قامت الدنيا ولم تقعد في اسرائيل من داخل البرلمان باليمين المتطرف الذي يسيطر على الكنيست ومن داخل الحكومة بالاحزاب الدينية المتشددة المشاركة فيها بالائتلاف، واجتمع النقيضان التطرف اليميني الملحد والتشدد الديني الملتزم، ليفرضا بالقوة من خلال اللوبي الدهلزة الصهيونية اعادة الغاء القدس عاصمة اسرائيل ورفعه على الجناح الاسرائيلي في القرية الألفية بمعرض والت ديزني في الأيام القليلة الباقية قبل افتتاحه في مدينة اورلندو بولاية فلوريدا.
بدأت تظهر أركان المؤامرة التي قادها وزير الخارجية الاسرائيلية ديفيد ليفي، الذي اثنى على شركة والت ديزني لمقاومتها الابتزاز العربي، في صورته المباشرة من قبل الدول العربية أو في شكله غير المباشر من خلال المنظمات الأمريكية العربية، وفتحت المجال لاسرائيل المشاركة في معرضها الذي تقدم فيه القدس عاصمة اسرائيل .
واعلن من واشنطن السفير الاسرائيلي زالمان شوفال لدى أمريكا بأن بلاده استعادت انتصارها على العرب بقمع الزوبعة التي أثارتها المنظمات الأمريكية العربية بعد ان قررت شركة والت ديزني عدم اجراء أية تعديلات على الجناح الاسرائيلي في معرض القرية الألفية الذي سيقدم القدس عاصمة اسرائيل بالشعار الذي ترفعه وبالوثائق التي ستعرض في أيام المعرض من خلال فيلم عن تاريخ القدس.
فضح هذه المؤامرة الاسرائيلية بدعم من وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين كوربيل أولبرايت، التي أكدت انه لا يحق للعرب المساس بالسيادة الأمريكية لمنع اسرائيل من ان تقول كلمتها من فوق أرض الحريات، ما جاء على لسان الدكتور عصمت عبدالمجيد أمين عام الجامعة العربية التي تلقت اتصالا بالفاكس من مايكل ايزنر رئيس مجلس ادارة والت ديزني يؤكد ان الشركة لا تريد الاساءة الى قضية القدس، وانها لن تسمح استغلال هذا المعرض الثقافي الذي يخاطب اطفال العالم في الأغراض السياسية الاسرائيلية.
لم يثن هذا الوعد الكاذب من شركة والت ديزني الجامعة العربية من تشكيل لجنة ثلاثية تضم في عضويتها السلطة الوطنية الفلسطينية، وبعثة الجامعة العربية في واشنطن، والمنظمات الأمريكية العربية والاسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، قامت هذه اللجنة الثلاثية باتصالات مكثفة مع ممثلي شركة والت ديزني، وبعد ان شاهدت الفيلمين الاسرائيليين عن القدس، قدمت اعتراضها الرسمي عليهما لأنهما يزوران التاريخ ويزيفان الحقائق ويضللان عقل الانسان بتقديم الرؤية الاسرائيلية، وحجب الرؤى الأخرى عن القدس التي يحج اليها النصارى ويعتبرها المسلمون أولى القبلتين وثالث الحرمين من خلال مسارات تاريخية ثابتة وموثقة.
لا يشفع لشركة والت ديزني ما جاء في نهاية الفلمين من رسالة قدمها المخرج لهما باللغة العربية ليخاطب المعتدي عليهم، وباللغة العبرية، ليؤازر المعتدي، وباللغة الانجليزية ليخاطب أهل البلد المضيف ليؤكد فيها حياد شركة والت ديزني من قضية القدس وما يدور حولها من سياسات متعارضة لأن المعرض الذي يقيمه في اولندو يستهدف انتشار الايمان بالله، واشراق الأمل في نفوس الناس وسيادة السلام على الأرض.
هذا الموقف الغريب لشركة والت ديزني الذي يلون المبادىء السامية بألوان الطيف لتكون غير واضحة المعالم دفعت الدكتور عصمت عبدالمجيد أمين عام جامعة الدول العربية الى مطالبة وزراء الخارجية العرب المجتمعين تحت مظلة الأمم المتحدة الاجتماع في مدينة نيويورك يوم غد الجمعة 24 سبتمبر 1999م الموافق 14 جمادى الآخرة 1420ه لتحديد المسار العربي تجاه شركة والت ديزني التي تراجعت عما تعهدت به من عدم رفع شعار القدس عاصمة اسرائيل على جناحها في معرض القرية الألفية الذي ستبدا أعماله بعد عشرة أيام.
عقد يوم أمس الاربعاء اجتماع استثنائي بمقر الجامعة العربية في القاهرة لبحث المواد الاعلامية والمعروضات التي يحتويها الجناح الاسرائيلي في معرض القرية الألفية لشركة والت ديزني التي اعلن الناطق باسمها بأن الدولة العبرية تقدم الأدلة على ان القدس عاصمة أرض الميعاد التي اعطيت لشعب الله المختار دون غيره من شعوب الارض.
المسألة تحتاج الى اكثر من بحث داخل أروقة الجامعة العربية لأنها تتطلب وضع استراتيجية عربية تدجض بصورة عملية هذا الافتراء الصهيوني على التاريخ الانساني ليس بالمقاطعة فقط لأعمال شركة والت ديزني وانما بالعمل المضاد ايضا لما تقوم به في خدمة اسرائيل وتوجهاتها في ايجاد ارضية ثقافية عالمية تمكنها من القفز الى القدس وتهويدها وتحويلها الى عاصمة لاسرائيل.
حماية القدس من الخطر اليهودي لا يمكن ان يقوم به الفلسطينيون من خلال مباحثاتهم السلمية مع اسرائيل، ولا يمكن ان يقوم به العرب وحدهم بشكل منفرد أو جماعي تحت مظلة الجامعة العربية، مما يفرض على العرب اصحاب الأرض الشرعيين الفلسطينيين والعرب المتضررين من تحويل القدس عاصمة اسرائيل العمل على العديد من المسارات النصرانية والاسلامية ليقف النصارى والمسلمون في وجه اسرائيل ومنعها من تبديل معالم القدس بالتهويد والعمل المشترك الذي يمنع اتخاذها عاصمة لاسرائيل حتى تحافظ على هويتها المقدسة عند كل الأديان الثلاثة السماوية.
لابد من الاسراع في مخاطبة العالم عن حقيقة ما يحدث اليوم في داخل القدس من طرد لسكانها الاغيار من غير اليهود، والتوسع في بناء المستوطنات اليهودية التي يخطط ان تكون احياء جديدة بالقدس، وفضح نية اسرائيل الخفية تارة والعلنية تارة أخرى من جعل هذه المدينة المقدسة بلا مقدسات، بما في ذلك المقدسات اليهودية لتكون عاصمة حضارية للصهاينة الملحدين دون ان يتدخل فيها أحد بحجة ما لها من قدسية.
نحن لا نريد فقط ان يحارب العرب شركة والت ديزني التي لا تزيد في نظرنا عن طعم لجر العالم الى متاهات تاريخية زائفة وعطاء حضاري مصطنع، لأن العرب سيجدون أنفسهم في وضع يحاربون فيه العديد من الشركات العالمية الكبرى التي توظفها اسرائيل لتكون طعما متجددا لرفع العالم بعيدا عن معتقداتهم الدينية ذات الصلة بأرض القداسات الكبرى في القدس وإنما نريد ايضا من خلال العمل الواضح والمدروس وضع استراتيجية عالمية تستهدف محاربة اسرائيل لوقف عدوانها الخفي والعلني المباشر وغير المباشر على مدينة القدس التي لم يعد الكلام يدور حول انتمائها العربي وانما يلتصق بقدسية يرغب الصهاينة في تغيبها عن الوجود الانساني، دون أدنى مراعاة للديانات السماوية بما فيها اليهودية التي ترفض المساس بمقدساتها في القدس من قبل الصهاينة الملحدين الذين يتمتعون وحدهم باتخاذ القرار في داخل اسرائيل.
الدور الدولي لمحاربة اسرائيل بقياداتها الصهيونية لمنع تغيب المقدسات عن القدس،يتطلب العمل على مشاركة المؤمنين بالله بصورة عملية في تنفيذ معاهدة واي ريفر بلانتيشن باعطاء المنظمات الاسلامية رابطة العالم الاسلامي والمؤتمر الاسلامي، وكذلك باعطاء الفاتيكان وغيره من الكنائس غير الكاثوليكية بجانب اعطاء اليهود المؤمنين برسالة موسى عليه السلام من داخل وخارج اسرائيل ادوارا مباشرة في اتفاقية شرم الشيخ من خلال الوساطة بل والتفاوض مع اسرائيل على المقدسات في ارض القدس ومنع اتخاذها عاصمة لاسرائيل حتى يمكن المحافظة على هذه المقدسات الدينية بمنع العدوان الصهيوني الملحد عليها الرامي الى القضاء عليها جميعا.
لا يفوتنا ان نذكر هنا بأن دمشق فتحت ابواب الوساطة لأوروبا لبدء المباحثات السلمية بين سوريا واسرائيل بعيداعن المساومات على مرتفعات الجولان، وإنما حول المبادىء الأساسية للسلام على دعائم الأمن الاقليمي وما يرتبط به من تطبيع للعلاقات الرسمية والشعبية.
من الممكن بل من المجدي ان يفتح الفلسطينيون الأبواب للوساطة الأوروبية لتؤدي دورها من الناحية السياسية على المفاوضات السلمية، ودعوة المحافل الدينية السماوية للمشاركة في المفاوضات الخاصة بالقدس حتى يمكن المحافظة على هويتها المقدسة بالنسبة للديانات الثلاث المنزلة من عند الله، بعد ان ثبت من فضيحة شركة والت ديزني أن الأمريكان يقومون في التزامهم الصهيوني عن صهاينة اسرائيل بصورة فرضت تعاطفهم مع اسرائيل في قضية والت ديزني جيت الرامية الى صهينة القدس بعد خلع الروحانية عنها المرتبطة بالاسلام والنصرانية واليهودية.
اذا لم نسرع في اعطاء العالم الدور الديني في المفاوضات مع اسرائيل لحماية المقدسات بالقدس لحولنا معاهدة واي ريفر بلانتيشين الى مسمى جديد واي نيفر ايفر بلانتيشن التي تعني باللغة العربية لن نطبق أبدا في أي وقت الاتفاق المبرم مع الفلسطينيين.