كل الايام مبدؤها الشروق ومع شروق شمس الاول من برج الميزان عام 1351ه ولدت دولة ليست كالدول فهي وان كانت مثل اغلب الدول تسعى حثيثاً في التطور والازدهار والتقدم من خلال الاخذ بمعطيات الحضارة المعاصرة لكنها تختلف عنها بأنها تنتهج في هذا السبيل منهجاً ربانياً شمولياً بأن جعلت دستورها كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لقد ادرك موحد هذه البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله اهمية الادارة فأولاها اهمية خاصة حيث انشأ الدواوين والوزارات ونظم الوظيفة بما يفي بحاجة البلاد وبما يتوافق مع الشريعة الاسلامية وقد مرت الوظيفة العامة في عهد الملك عبدالعزيز بمرحلتين، الاولى من عام 1319-1343ه وهي مرحلة توحيد الدولة واستكمال تكوينها السياسي وقد اتصفت الوظيفة العامة في هذه المرحلة بالتكليف على شكل مهمات، واصبحت المهام تأخذ صفة المسميات الوظيفية اذ لا يوجد مسميات محددة عدا قاضي، امير، مطوع، خراص وهو من يقوم بتقدير ثمار المزارع ومحصولها لأجل الزكاة وهي مسميات غير محددة تم التعارف عليها محلياً, وليس لها سجلات وظيفية او انظمة ثابتة او تعليمات واضحة مدونة تحكمها.
والمرحلة الثانية من عام 1343-1347ه وهي مرحلة بداية الاستقرار واصدار الانظمة والتعليمات وبدء بناء الدولة ووضع اسس التنظيم والادارة، وقد بدأ الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- بالحجاز نتيجة لوجود تلك التنظيمات المركزية فيه، ثم بدأ يمتد بهذا التنظيم تدريجياً الى بقية مناطق المملكة الاخرى.
وقد استطاع الملك عبدالعزيز في هذه المرحلة، الاخذ بما استحدث من اساليب ادارية حديثة، وازالة كافة المعوقات امامها، والقضاء على معظم اوجه التنافر في التطبيق، مما خفف من دواعي درجة الاختلاف بين الاقاليم، ويلاحظ ان الملك عبدالعزيز استطاع بقدراته الفائقة اكمال مسيرته بالانتقال التدريجي من مرحلة الى مرحلة اكثر تطوراً، مستفيداً خلالها من كل معطيات المرحلة السابقة، وواضعاً أسساً ثابتة وصريحة لنهج الدولة، واسلوب عملها للمرحلة القادمة.
والذي يرى ما وصلت اليه المملكة في الوقت الحاضر يدرك بعد النظر لدى المؤسس رحمه الله، فالمملكة تدار وفق احدث النظم الادارية فمن ادارة المهمات الى دولة صنفت وظائفها العامة بشكل دقيق ومنظم وقد اصدرت وزارة الخدمة المدنية دليلاً من سبعة مجلدات يحوي جميع مسميات الوظائف مصنفة في مجموعات عامة ومجموعات نوعية وسلاسل فئات، وقد حددت لها المؤهلات المناسبة كما حدد مستوى الدخول لجميع المؤهلات ومجالات العمل المناسبة لها, كما حدد في الدليل البرامج الاعدادية ومجالات العمل المناسبة لها وايضاً الدورات التدريبية وفئات الوظائف المناسبة لها، كما وضع لكل وظيفة رمز يعرف من خلاله مجموعتها العامة ومجموعتها النوعية وفئتها ومستواها.
وفي مثل هذا اليوم من كل عام نستعيد هذه الذكرى العطرة للمؤسس الكبير الذي اسس فأجاد وخلفه خلف صالح اعز الله بهم البلاد فسارت قدماً في شتى دروب النماء والتطور دون الانزلاق في متاهات بعض المعطيات الحديثة التي لا تتوافق مع نهج ديننا الاسلامي الحنيف.
فهنيئاً للبلاد وقادتها - يحفظهم الله- وشعبها الكريم وكل من يقيم على ارضها الطاهرة التي تتشرف بوجود الحرمين الشريفين بها بهذه الذكرى الغالية التي تحيى في نفوسنا العزم وتؤكد الاصرار على المضي في سبل البناء ومسالك العطاء وزادنا القوة والامانة, والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي الامين.