صورتان متناقضتان تكشفان زيف السياسة الدولية في العصر الحاضر والانتقائية التي باتت تحكم أفعال القوى الدولية المهيمنة على مؤسسات صنع القرار الدولي,, ففي الوقت الذي تتدفق فيه القوات الدولية على تيمور الشرقية لغرض سلخ الاقليم عن إندونيسيا، يتعرض الشعب الشيشاني والداغستاني لحملة عسكرية مكثفة تشارك فيها الطائرات وقوات النخبة العسكرية لاجهاض رغبتهم في الاستقلال.
في تيمور الشرقية جندت الامم المتحدة، وتفرغ مجلس الامن الدولي، وشكلت قوة دولية تناولت دول عدة للاشتراك فيها، حتى الصين الشعبية التي كانت في السابق ترفض تأييد مثل هذه المبادرات حتى لا يأتي الدور عليها ويؤيد الغرب محاولات الانفصال التي تشهدها بعض اقاليم الصين,, إلا ان بكين هذه المرة تجاوزت المخاوف لأن مصالحها في إندونيسيا جعلتها تتجاوز حاجز الخوف,, وهكذا شارك الجميع في الضغط على اندونيسيا لغرض استقلال تيمور الشرقية.
في داغستان والشيشان الصورة عكس ذلك تماما، العالم والأسرة الدولية جميعا يعرفان ان شعب الشيشان قد انتزع استقلاله، وهناك دولة مستقلة، وان لم يعترف بها أحد، إلا انها واقع قائم، وان الداغستانيين يسعون هم الآخرون إلى الاستقلال,, والاسرة الدولية تعرف، وترى مما تنقله محطات التلفاز ما تفعله القوات الروسية سواء في داغستان أو الشيشان التي تتعرض قراها ومدنها للقصف بصورة اعنف مما تعرضت له ايام حرب الاستقلال ويفر أهلها هذه الايام جماعات جماعات بعد مواصلة الطيران الروسي قصف المناطق الآهلة بالسكان بدون تمييز.
وتنقل وكالة الانباء الفرنسية صورة للفظائع التي ترتكبها القوات الروسية في الشيشان فينقل مراسلها عن سعيد داداشييف الذي يذكر منذ 12 أيلول/ سبتمبر ونحن نتعرض يوميا تقريبا لقصف الطيران والمدفعية الروسيين وسعيد هو من القلائل في ايشخوي- ايورت منطقة غوديرميس، شرق الشيشان الذين لم يفروا من البلدة وأضاف: قتل ما مجموعه عشرة اشخاص من اهلي وأصيب عشرون آخرون بجروح.
واضاف بصوت متعب: سقطت حوالي عشرين قذيفة ليل الجمعة السبت على منازل تقع خارج البلدة, وأوضح ان الوضع هو بكل وضوح أسوأ مما كان عليه بين 1994 و1996م خلال الحرب التي دارت بين الانفصاليين الشيشانيين والقوات الروسية.
ومن أصل ثلاثة آلاف نسمة كانوا يعيشون في هذه البلدة الصغيرة قبل آب/أغسطس لم يبق فيها سوى خمسين نسمة, ومن اصل 700 منزل تهدم أو تضرر 200 فيما بدت شوارعها وقد ملأتها الحفر التي خلفها القصف.
والذين لم يتمكنوا من مغادرة البلدة بسبب عدم وجود سيارات او لأنهم ينتظرون مساعدة الاهل يعيشون في الخوف ويقضون الليل في الاقبية.
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس في البلدة ان المواقع الروسية اطلقت حوالي خمسين قذيفة بعد ظهر أمس الاول السبت على ايشخوي- ايورت من مرتفعات توختشار القريبة والتي تقع على الجانب الداغستاني من الحدود.
وقال سعيد داداشييف ايضا بعد ان استجمع انفاسه: نحن لا نعلم لماذا يقصفوننا, لم يشترك أي مواطن من بلدتنا في المعارك على الجانب الآخر من الحدود، في توختشار داغستان .
هذا ما يجري في الشيشان، فأين المتباكون، ومساندو حق تقرير المصير,, من هذه المأساة,, هل شعب الشيشان لا يستحق الاهتمام لانهم شعب مسلم يريد الاستقلال في حين يتباكون على بعض التيموريين لانهم مسيحيون يريدون الانفصال عن دولة اغلب أهلها من المسلمين!!؟
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser * Al-jazirah.com