الأسرة اليوم أصبحت تتغذى على ثقافة يومية قد تسهم في اغتراب أفرادها عن بعضهم البعض,, مشغلة الأب بأعماله أو تجارته,, وربما أضيف لذلك مشغلة الأم ايضا بحياة اجتماعية جديدة مع مثيلاتها حتى,, وان اجتمع هؤلاء في عطلة فقد يفرق بينهم التلفاز فلا يسمع خليل خليلا,,!!
أما الأبناء والبنات فهم منطلقون الى حياة جديدة,, أمدتها الرحلات والأفلام بحياة جديدة براقة,, والمجلات المتنوعة العصرية الجذابة للأزياء,, وغير الأزياء بتصورات جديدة عن الحياة.
فإلى أي حد تعتبر الأسرة بعد ذلك أسرة؟؟ بعد ان انفض الشمل,, فلا الأب يمارس أبوته، والمربية حلت أو تشارك الأم في مكانتها,, والأبناء يمتصون ثقافة وتقاليد وتصورات وخيارات جامحة من مصادر اعلامية جديدة,, تارة آسيوية وأخرى أوروبية وثالثة أمريكية , فالأسرة الآن مغزوّة وديا بغزاة عصريين,, فهل ما يقع من مشاكل عائلية بين هذه العناصر بعد كل هذا التشابك,, هو نتيجة لذلك؟.
تحضرني الآن بعض الأرقام والاحصاءات ذات الدلالة البيّنة الواضحة على ما أقول عن أثر الصناعة الاعلامية المغرقة,,!!
لقد تبين أن الناشىء الأمريكي حين يبلغ السابعة عشرة من عمره يكون قد رأى 350,000 من الاعلانات التلفازية,, منذ ان تفتحت عيناه على شاشة الساحر القدير,,
كما أنه يكون قد رأى عشرين ألفا من مشاهد القتل والجرائم المتلفزة,, أيتأثر هذا الناشىء بهذه الأكداس الرابضة في العقل والقلب أم لا يتأثر؟؟ ثم أين هذه الجلسات العائلية الدافئة العميقة التي تصفي تلك المشاهد المتقنة الضاربة في أغوار النفوس الغضة بعيدا,, ماذا يحدث الآن؟,, والعالم كما يقال قد أصبح قرية واحدة بمقتضى أساليب الاعلام العصرية,, وخاصة عندما تم انجاز البث المباشر من التلفازات العالمية وتمكنت كافة الأجهزة من التقاط البرامج بنفس حرية وانتقال موجات الراديو ,, ما العلاج؟؟.
اتصور أولا,, أننا في حاجة لإرساء معنى مكانة الأسرة,, الأم والأب,, نرسيها بإحياء النصوص العميقة الرائعة من محكم الآيات,, وبليغ الأحاديث,, أن يجدد الآباء والأمهات سلوكهم,, مع أبنائهم وبناتهم,, ويستعيدوا كثيرا من الأوقات الضائعة بعيدا عن أسرهم.
الأمر الثاني,, المراجعة الجذرية المتأنية لكافة المواد المعروضة بكافة وسائط الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، حتى لا تهدم شمال المجتمع ما تبني يمينه وحتى لا تتناقض معطيات التربية,, مع ما يبثه الاعلام.
الأمر الثالث، غرس منهج يزكي روح النقد منذ الطفولة في الأسرة وخلال المراحل الدراسية يمكّن ابناءنا وبناتنا وبشكل ذاتي من الاقبال والاعراض عن تدبر وروية لما يعرض أمامهم، فلا يصبح الفرد منا مجرد جهاز استقبال محكوم عليه بالتأثر والتطبيع والمحاكاة ولعل هذا الأثر هو صميم ما تطارده تربيتنا الأصيلة، حينما نهتنا عن التقليد والمحاكاة العمياء وحين وصفت هذا الاتباع المهلك، فقالت: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ولعلنا نوضح لأبنائنا كل جحر ضب عصري، مهما اتخذ هذا الجحر أو الكهف أو البرنامج أو المجلة أو السياحة من جواذب مغريات وأقنعة ساحرة جميلة عصرية ولكنها في النهاية مهلكة.
والله الهادي الى سواء السبيل.
|