التعليم من القضايا التي تستحوذ علىاهتمام الاقتصاديين وذلك لعدة اسباب منها ان الانفاق عليه يشكل نسبة عالية جداً من الانفاق الحكومي والشخصي كما انه يؤثر على العديد من المتغيرات الاقتصادية كالانتاجية والدخل ومعدلات البطالة, ولو نظرنا الى جانب الانفاق على التعليم لوجدنا انه يمكن اعتباره انفاقاً استهلاكياً كما انه يمكن ان يعتبر انفاقاً استثمارياً له عائده الاجتماعي والاقتصادي.
وتبعاً لوجهة النظر المتبناة تختلف التحليلات والرؤى المتعلقة بالانفاق على التعليم, ولكن مهما اختلفت وجهات النظر فإن الجميع متفقون على ان للتعليم أثراً واضحاً في رفع مستوى الدخل والانتاجية وامكانية الحصول على العمل المناسب وعلى الارتقاء بمستوى وعي الافراد الامر الذي يساعد على الحد من الكثير من المشاكل الامنية والاجتماعية.
وكل هذه الآثار الايجابية وغيرها هي من عوائد الاستثمار في التعليم والانفاق عليه بسخاء ولكن هذا لايعني ان ماينفق على التعليم لا يكون تحت المراقبة والملاحظة بغية الحصول على اكبر عائد ممكن من هذه الاموال المنفقة في هذا الجانب والاقلال من الهدر.
فارتفاع نسبة الرسوب والتسرب من التعليم العام والعالي احد اشكال الهدر التي ينبغي ان تدرس اسبابهما وتوضع لهما الحلول المناسبة.
فالطالب الذي يحتاج الى ست سنوات لكي يتخرج من الجامعة في حين يفترض تخرجه في اربع سنوات لاشك انه يتسبب في اهدار موارد مالية كبيرة كما يتسبب في تفويت فرصة الالتحاق بالجامعة على طلبة آخرين, و الطالب الذي يتخرج من الجامعة ثم يجد ان تأهيله الجامعي لايمكنه من الالتحاق بسوق العمل بسهولة وربما احتاج الى تأهيل اضافي يشكل صورة اخرىمن صور الهدر في تخصصات التعليم.
فالمراجعة المستمرة والدائمة لبرامج التعليم وطرقه ووسائله امر ضروري لنتمكن من الارتقاء بهذه الخدمة ولنتمكن من الحصول على افضل عائد ممكن للاستثمار في هذاالجانب, ومع ذلك ينبغي ألا يغيب عن الذهن ان تكلفة التعليم قد ارتفعت في السنوات الاخيرة نظراً للعديد من العوامل لعل منها استخدام التقنية الحديثة في التعليم بشكل اكبر من ذي قبل, كما ان سوق العمل اصبح يطلب درجة عالية من التأهيل والتدريب لايمكن الوصول اليها الا عن طريق تعليم ذي تكلفة عالية.
ولذا فإنه من الطبيعي جداً ان يزداد متوسط ماينفق على الطالب الواحد لهذه العوامل وغيرها.
والذي أتصوره في هذا الجانب ان الانفاق على التعليم استثمار على قدر كبير من الاهمية يفترض ان يستغل بطريقة تسمح بالحصول على عوائد تتناسب مع حجم هذا الاستثمار ولاينبغي ان ينظر اليه على انه احد اشكال الانفاق الاستهلاكي والذي يفترض ان يقلص, وعليه فإن الواجب دراسة افضل البدائل الاستثمارية المتاحة وانسب الطرق لتحقيق العوائد العالية لهذه الاستثمارات.
ومن المناسب هنا ان اشير الى برنامج وزارة المعارف الجديد والذي تنوي تطبيقه على عدد محدود من المدارس والذي يهدف الى الارتقاء بمستوى وقدرات الطلاب والى تحسين عوائد الاستثمار في التعليم, وفي ظل هذا البرنامج يفترض ان ما يستثمر في الطالب الواحد سيكون اعلى مماهو موجود حالياً نتيجة لما يستخدم من وسائل تقنية حديثة ولما ينفق على تأهيل وتدريب المعلمين, لكن للحكم علىهذا البرنامج لايصح أن ننظر الى التكاليف ونهمل العوائد، فالمطلوب النظر الى التكاليف والعوائد معاً في ظل البرنامج الحالي والبرنامج المقترح حتى نصل الى اجابة مناسبة، اي اننا نطبق المعايير التي يطبقها المستثمرون تقريباً مع بقاء بعض الفوارق، ويفترض ان تنال مثل هذه البرامج الدعم المادي والمعنوي من قبل الاطراف المستفيدة والتي هي في مثل هذه الحالة لا تقتصر على الحكومة فقط بل تمتد الى الاسرة والمؤسسات الخاصة والمجتمع كله.
فكل هذه الاطراف ستكون مستفيدة متى ماكان الطالب الذي درس ضمن هذا البرنامج أكثر استيعاباً وادراكاً وفهماً للمادة العلمية التي يدرسها واكثر قدرة على السير في الجامعة او في دراسته المتخصصة وازدادت فرص حصوله على العمل.
* قسم الاقتصاد الإسلامي -جامعة الإمام محمد بن سعود