Sunday 19th September, 1999 G No. 9852جريدة الجزيرة الأحد 9 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9852


نصف قرن على رحيل موسيقي عظيم
ريتشارد شتراوس,, الأكثر تعبيراً عن الصوت الإنساني
رضا الظاهر

قبل 50 عاما وفي التاسع من سبتمبر/ ايلول 1949 رحل المؤلف الموسيقي الألماني الشهير ريتشارد شتراوس، وهو في الخامسة والثمانين, وعندما بدأ القرن العشرون كان شتراوس معروفا من خلال تأليفه دون جوان ، الموت والتجلي ، تيل يولينشبيغل ، ذوس سبيك زارا ثوسرا ، دونكيشوت ، حياة بطل ، وغير ذلك من القصائد السمفونية, وشهد العقد الأول من القرن العشرين أعماله الأوبرالية سالوم ، الكترا ، والفارس الوردي .
مما دفع شتراوس الى الطليعة الأوبرالية, واعقبت ذلك عشر أوبرات، جرى أداء بعضها على نطاق واسع، والبعض الآخر على نطاق ضيق, غير ان أيا منها لم يحقق ذلك النجاح الهائل الذي حققه عمله الابداعي الفارس الوردي .
وارتباطا بالذكرى الخمسين لرحيل هذا الموسيقي البارز صدر، مؤخرا، عدد من الكتب التي تبحث في حياته وابداعه، وبينها ريتشارد شتراوس: الانسان، الموسيقي، اللغز ، من تأليف مايكل كينيدي، وريتشارد شتراوس من تأليف تيم أشلي، وريتشارد شتراوس من تأليف ماثيو بويدن.
ويحمل القسمان الثالث والرابع من كتاب مايكل كينيدي حول شتراوس عنواني: 1913-1933: طراز قديم و1933-1949: السنوات المظلمة , ومعروف ان شتراوس أنتج، في شيخوخته رائعيته المسخ ، المقطوعة الموسيقية التأملية الآسرة عن عالم دمرته الحرب، والوداع المتقد في أربع أغان أخيرة .
كان ريتشارد شتراوس، المولود يوم 11 يونيو/ حزيران 1864 في ميونيخ إبنا لعازف بوق, بدأ التأليف وهو في سن السادسة, وفي سن العاشرة ألف عمله مسيرة المهرجان ، ولحنا للآلات الهوائية, وفي عام 1880 عزفت سمفونيته الأولى عندما كان في عمر السادسة عشرة، وفي السنة التالية قدمت رباعيته الوترية أمام الجمهور, دخل شتراوس جامعة ميونيخ عام 1882 لكنه تركها في السنة التالية، وتوجه الى برلين لفترة دراسية قصيرة، لكنه اصبح مساعد قائد فرقة موسيقية, وبعد أن استقال قائد الفرقة عام 1885 احتل شتراوس مكانه, وفي ربيع عام 1886 زار ايطاليا، وكتب إثر ذلك سمفونيته الايطالية التي قدمت في ميونيخ ربيع 1887, أما ماكبث قصيدته السمفونية الأولى فقد ألفت في تلك السنة, وفي عام 1889 أحرز أول نجاح عظيم له بقصيدته السمفونية دون جوان حيث تعلن افتتاحيتها الشهيرة عن الموسيقي الشاب بكل ثقته وبراعته في التأليف.
وتحت تأثير كوزيما فاغنر، زوجة المايسترو وعازف البيانو الشهير هانس بولو، وابنة المؤلف الموسيقي الهنغاري الشهير فرانز ليست، والتي اصبحت عام 1870 زوجة المؤلف الموسيقي الألماني البارز فاغنر، تحت تأثيرها كتب أوبراه الأولى غونترام ، ومعظمها ألف أثناء رحلة قام بها الى منطقة البحر الأبيض المتوسط لمعالجة متاعب في رئتيه, وقدم هذا العمل في 10 آيار/ مايو 1894، وأدت دور البطولة فيه مغنية الأوبرا بولين دي أهنا التي تزوجها شتراوس بعد شهر واحد من تقديم هذا العمل, وفي السنوات الخمس اللاحقة ألف عددا من قصائده السمفونية الشهيرة, وفي عام 1905 قدمت أوبراه سالوم في دريزدن، ولكنها واجهت صعوبات الرقابة في فيينا ولندن ونيويورك.
أما أعماله الأخيرة فقد ألفها في بيته الريفي في غراميش بمنطقة بافاريا, وشهدت فترة العشرينات والثلاثينات تعاونه مع الروائي والكاتب النمساوي ستيفان زفايغ الذي كتب نصوص بعض أوبرات شتراوس, ولكن هذا التعاون واجه صعوبات خلال سنوات حكم النازية التي عارضها زفايغ بقوة، وواجه شتراوس مصاعب بسببها، لكنه ظل، رغم ذلك، شخصية بارزة في الحياة الموسيقية الألمانية يصعب تجاهلها,وربما كان شتراوس منذ عام 1918 من طراز قديم حسب عنوان مايكل كينيدي، لكن أعماله كانت تقوم على المسارح الموسيقية، وظل وجوده حيا في قاعات الموسيقى ودور الأوبرا.
وفي غضون ذلك كانت تؤلف الكتب حوله وحول ابداعه الموسيقي.
وفي عام 1935 لفت ستيفان زفايغ انتباه المؤلف الموسيقي قائلا:ستعود رسائلك، يوما ما، الى البشرية كلها، شأنها شأن رسائل فاغنر وبرامز , وقد استمر شتراوس على كتابة رسائله العفوية المتقلبة المزاج، التي كان يعبر فيها بحرية عما أراد قوله، وكان زفايغ على حق، فقد صدر ما يزيد على عشرة أجزاء من رسائل شتراوس مع عائلته واصدقائه وزملائه والمتعاونين معه, ووفرت هذه الأجزاء مادة غنية لكتاب سيرته الكثر، وبينهم الثلاثة الذين أشرنا اليهم في بداية المقال.
وكتاب مايكل كينيدي الذي ذكرناه هو كتابه الثاني عن شتراوس, وفي مقدمته يشير المؤلف الى عزمه على تجنب التكرار، وقد أفلح في ذلك الى حد كبير, وكان أحفاد شتراوس قد فتحوا ارشيفات العائلة في غارميش الفيللا التي شيدها شتراوس من أرباح أوبرا سالوم أمام كينيدي الذي وجد فيها مادة جديدة غنية, فكتب كينيدي لا عن حياة شتراوس فقط، وإنما عن أعماله الابداعية ايضا، مضيفا الكثير الى كتابه السابق الذي حمل عنوان الموسيقي الأستاذ .
أما كتاب تيم أشلي فيعتبر مساهمة جلية في الكشف عن ابداع شتراوس، إذ اضاء أشلي السايكولوجي الموسيقي الأكثر براعة منذ موزارت، والمؤلف الأكثر تعبيرا عن الصوت الانساني في التاريخ .
ولم يتجنب لا كينيدي ولا أشلي سنوات شتراوس في ألمانيا النازية، ومساوماته مع النظام، لكنهما يتعاملان مع ذلك بعقلانية وحكمة, ففي موضع معين يتحدث كينيدي عن شتراوس الحقيقي الذي ركز طاقته على عائلته وعالمه الابداعي ، والذي كان بارعا في اخلاصه لمثل حياته ولم يكن سلوك شتراوس رائعا أو بطوليا على نحو دائم، وكان في أواسط سبعيناته، وكان لديه عائلة، وزوجة ابنة يهودية تواجه خطر الاعتقال، وأحفاد يواجهون الشتائم في المدرسة, وبرغم تلك الظروف الصعبة سعى شتراوس الى التمسك بمثله، وظل المنفيون والهاربون من ألمانيا يحبون ويؤدون موسيقاه.
غير أنه تظل هناك ألغاز في حياة شتراوس في تلك الفترة العصيبة, فقد ظهرت أوبرا فريند نشتاغ عام 1938، وأجازتها السلطات النازية، فقدمت على نطاق واسع في ألمانيا والنمسا، وأثارت تفسيرات متناقضة.
فبينما يعتبرها كينيدي نداء تحذير في زمن عصيب، وترتيلة أخيرة من أجل السلام والوئام بين البشر يرى أشلي انها تجسد تقدم ظهور الفاشية , ولدعم رأيه يستشهد بمقولة شتراوس: أنا دائما على مستوى اللحظة , وهي مقولة ساخرة في سياقها، ناهيكم عن ان نص فريند نشتاغ كان تحت اشراف ستيفان زفايغ المعروف بمعارضته للفاشية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ملحق رواد الاستثمـار
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved