ليس مهما ان يظل (الراوي) مطلا على مشهد الوداع, فهو يراه بقلبه، وتنبأ به يوم زحفت قوائم الامر والزجر,, لأن (الراوي) لم يتعود ان يزجره احد,! ليس لأنه يملك سطوة فرسان الزمن القديم، بل لأنه يتخذ من (النضال السلمي) صورته على شكل غير سياسي كما فعل (المهاتما غاندي)، يأخذ منه ما هو بحاجة اليه, وهو رأى انه احوج ما يكون الى (الهدوء), صحيح ان فراغا موحشا كالصحراء الكبيرة يملأ أيامه,, الا انه لا بد من ان يستعمل (عقله) في بعض الامور,, لقد طوحت به عاطفته بعيدا فتقاذفته الأيدي, وجعلت الألسن المرة تلوك سيرته, كان يعرف ان سيرته مثل سيرة الحمامة والحصان وشجرة التين, لذا لم يلتفت الى مشاهد الوداع الكثيرة التي تكررت مرارا, عاد وحيدا ذات ليلة شتائية قاطعا ألف كيلومتر فقط لأنه أحس بأن ثمة من لا يريده في حيّز من الأمكنة الفسيحة, ما هام على وجهه أبدا! فهو بعد لم يصل الى القطيعة مع العقل, صار يتعامل مع (الخيانات) كما يتعامل مع حشرة ملحة يستكثر عليها حتى رذاذ (الفليت)! فقط: لأن الزمن أقصر مما نريد أو نتوقع!
يوما ما سنتهاوى جميعا.
كان يمكن أن يكون قد أحب يوما ما!!
ولكن لماذا هذه الهالة المبالغ فيها حول الحب؟!
مثلما لو لسعتك (عقرب), ألا تذهب لأخذ مصل من المستشفى؟, وتنسى,!
ركبنا البحار بحثا عن شيء نسميه (سيدة الوقت) فضعنا وكادت تأكلنا الطحالب,!! وكتبنا القصاصات الصغيرة ثم كبرنا فصارت قصاصاتنا على شكل صفحات في مجلات (الحب العذري),!
يعود (الراوي) الى مكانه وسط المسرح ويكمل:
كنت أعرف مقدما ان الناس يتعاملون بمنطق مختلف جدا عن منطقي,, ومع ذلك اصر على صحة منطقي، لأنه هو كل ما أملك.
كم انا شديد الاعتزاز بحزن يعتريني ازاء موقف رجل أو أنثى لا يسمح لهما داخلهما بمنحي طلبا أبسط من الماء, وأكثر براءة من عصفور, وأجمل من كل أغنياتهم المزورة!!
فمالي انا ومالمشاهد الوداع.
أعتز بأن في داخلي طيرا يتعامل مع الناس على هذا الأساس:
- إما ان تقبلوا رفيف اجنحتي,, أو تردوني ببندقية صيد,,!! او فلتدعوا سهامكم التي تتعاملون بها بعيدا عني,, فوالله إنني أشدكم رحمة بأنفسكم,!!
أنا لا أعرف (التوديع).
|