تتواصل محاولات الوفاق بين السوريين والفلسطينيين ويرفع الوسطاء من العرب شعار توحيد التفاوض العربي في مواجهة اسرائيل، والغاء المسارات التفاوضية الثنائية التي اعطت اسرائيل ارضية التلاعب بالحقوق العربية في الاراضي المحتلة، تحت ظل هاجس امني مفتعل، تعض عليه تل ابيب بالنواجذ، وتفرضه على موائد المفاوضات الثنائية القائمة مع الفلسطينيين اليوم ليصبح الامن الاسرائيلي احد اركان التفاوض الثنائي المستقبلي مع سوريا ومع لبنان بهدف سرقة الاراضي العربية المحتلة.
رفضت دمشق هذه الوساطة العربية بحجة انها على غير استعداد في التعامل مع الفلسطينيين الذين خرجوا على وحدة الموقف التفاوضي العربي بالاتفاق السري الذي عقدوه مع الاسرائيليين في اوسلو من وراء ظهر سوريا وكان سبباً في ضياع جل الاراضي المحتلة في الضفة الغربية من نهر الاردن وحصر التفاوض حول نسبة تدور بين 11% و 13% من تلك الاراضي التي يخطط لاعادتها معاقة بتطويقها بالمستعمرات المستوطنات اليهودية التي يرفض سكانها من اليهود اعادة الاراضي المحيطة بهم الى اصحابها الفلسطينيين بتحريض من الحكومة المتفاوضة مع السلطة الوطنية الفلسطينية .
ترفض سوريا بصورة قاطعة العودة الى الموقف التفاوضي الموحد مع الفلسطينيين الذين خرجوا عليه بالذهاب الى اوسلو، وتصر في ذات الوقت على الوحدة التفاوضية مع لبنان تحت مظلة الارادة الدولية الصادر بها قرارا مجلس الامن 242 و 338 وبالنسبة لمرتفعات الجولان التي احتلت في سنة 1967م وقرار مجلس الامن 425 بالنسبة للجنوب اللبناني الذي احتل في سنة 1982م وترفض دمشق وبيروت الزام انفسهما باتفاقية اوسلو المجحفة التي لم تشاركا فيها واعلنتا رفضهما لها منذ كشف حجب السرية عنها.
تطالب دمشق منذ بداية القبول بالمفاوضات السلمية مع اسرائيل حتى الآن بضرورة استعادة كل اراضيها في مرتفعات الجولان في مقابل عقد اتفاق السلام مع اسرائيل التزاماً وتنفيذاً للارادة الدولية القاضية بالمعادلة السلمية الارض في مقابل السلام.
وتصر بيروت على ضرورة الجلاء الاسرائيلي من على ارض الجنوب اللبناني بدون قيد او شرط لتقبل التفاهم على السلام مع اسرائيل التزاماً وتنفيذا للارادة الدولية القاضية بالانسحاب الفوري من الجنوب اللبناني.
ترفض دمشق وبيروت الدخول في مفاوضات انفرادية مع اسرائيل وتؤكدان ان الطريق السلمي لهما له مسار تفاوضي واحد يجمعهما للتباحث السلمي مع تل ابيب اذا قبلت باعادة الاراضي المحتلة لهما ونفذت قبولها للانسحاب بصورة عملية مع بدء المباحثات السلمية ليكون الانسحاب سبباً في المفاوضات واعادة كامل الاراضي اليهما نتيجة فعلية لهذه المفاوضات السلمية.
هذا الفهم للمفاوضات السلمية مع اسرائيل بالرؤى السورية اللبنانية يتناقض تماماً مع الفهم والممارسة الفعلية للمفاوضات القائمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين وما ترتب عليها من تنازلات بالتفاوض لم تقف عند حدود اتفاقية اوسلو السرية وانما تخطتها بمزيد من التنازلات باتفاقية واي ريفر بلانتيشن المرفوض الالتزام بها وتطبيقها من قبل اسرائيل التي اعلنت مؤخراً رفضها المطلق للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة بما في ذلك مرتفعات الجولان والجنوب اللبناني تارة بحجة الهاجس الامني الذي يقلق اسرائيل وتارة اخرى بأن هذه الاراضي العربية التي تحتلها هي جزء من ارض الميعاد لشعب الله المختار فلا يمكن التنازل عنها تحت اي ظرف من الظروف الى الاغيار من غير اليهود لان في ذلك اثما عظيما بمخالفة اوامر الله التي خصصت ارض الميعاد لشعب الله المختار دون غيره من شعوب الارض.
رفض اسرائيل للانسحاب يعثر المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين، ويعيق البدء في المفاوضات مع سوريا ولبنان اللتين ترفضان الاشتراك في المفاوضات المتعثرة وكذلك لا تقبلان بالمفاوضات المعاقة بصورة جعلت الوساطة العربية لجمع السوريين واللبنانيين مع الفلسطينيين في معسكر تفاوضي واحد قضية مستحيلة وغير قابلة للتطبيق في ظل مناخ اقليمي يطالب بالسلام بالتأثير الدولي الخارجي ويغتال السلام بالمتغيرات الاقليمية السائدة فيه بعضها بالمسلك الاسرائيلي الراغب في سرقة الارض وبعضها بالتصرف العربي المتناقض في كيفية استعادة الارض المحتلة وفقاً لظروف متباينة بعضها يؤمن بالاستعادة التدريجية المرحلية للارض على اساس من اخذ وطالب وهو ما يعبر عنه الموقف التفاوضي الفلسطيني، وبعضها يصر على استعادة الارض كاملة بصورة متزامنة مع المفاوضات وهو ما يعبر عنه الموقف التفاوضي السوري اللبناني المبني على هات الارض المحتلة وخذ السلام الاقليمي.
من الصعب ان يقبل الفلسطينيون بسياسة النفس الطويل في المفاوضات بالنهج السوري واللبناني لأن الارض الواقعة تحت الاحتلال تمثل جزءا من الوطن القائم لهما بينما الارض الفلسطينية المحتلة تمثل كل ارض الوطن الذي يتطلع اليه الشعب الفلسطيني فارتبطت مخيمات اللاجئين بالامال في الصورة الى الوطن من خلال المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وانفصلت تماماً عن سياسة النفس الطويل في المفاوضات التي تمارسها سوريا ولبنان.
نحن بهذا القول لا نقف الى جانب المعسكر الفلسطيني التفاوضي لاننا نتعاطف مع سياسة النفس الطويل في التفاوض الذي تمارسه سوريا ولبنان لانه الاقدر على التعامل مع التوجهات الاسرائيلية التآمرية اما باجبارها على التفاوض بمعطيات الارادة الدولية الارض مقابل السلام واما بتصعيد العمل النضالي ضدها بواسطة حزب الله الذي يصليها ناراً بصورة تؤكد ان الامن الاسرائيلي لا يتم بالاستيلاء على الارض وانما يدور في افلاك الامن الاقليمي الذي يتحقق من خلال السلام العادل الذي يعيد الاراضي المحتلة الى اصحابها بصورة تحقق حسن الجوار.
لا نقول ذلك اجتهاداً او رجماً بالغيب وانما نستند في قولنا الى التاريخ البشري على الارض الذي يثبت ان مبدأ حسن الجوار يمثل الدعامة الاساسية التي يقام عليها السلام الاقليمي بكل ما يرتبط به من امن لكافة دول الاقليم، وقد صاغ فقهاء القانون الدولي العام مبدأ حسن الجوار بسلسلة من الاحكام التي تضمن سريانه في داخل كل الاقاليم ليتحقق بها سلام دائم وامن مستمر طالما احترمت كل الاطراف الاقليمية حق الجار في سيادته المطلقة على ارضه دون تدخل اي طرف في شؤون الطرف الاخر بصورة غير مباشرة عن طريق التأثير على قراراته السياسية، وبصورة مباشرة باحتلال ارضه واخضاعها بالقوة لسيادة الدولة الغازية، وهو ما تمارسه اسرائيل اليوم في داخل الاراضي التي تحتلها في تغافل عن العالم الذي يغض الطرف عن انتهاك احكام القانون الدولي العام المتعلقة بحسن الجوار، لضعف العرب في الدفاع عن حقوقهم امام الاسرة الدولية عبر منظماتها المختلفة ولتسلط اسرائيل بنفوذها عبر الدهلزة الصهيونية على سيادة الدول الكبرى والتأثير على قراراتها السياسية لتخدم اسرائيل في داخل مجالها الاقليمي.
ادى الضعف العربي في مخاطبة العالم مع التسلط الاسرائيلي عليه الى قلب الموازين بالتعاطف الدولي مع الباطل الاسرائيلي ومعادة الحق العربي بصورة حولت الاقليم الى ارض مشتعلة بالسلام اكثر من اشتعالها بالحرب حتى اصبح الخوف من نتائج السلام اكبر من الخوف من نتائج الحرب، الامر الذي دفع بعض المفكرين الى تسمية المفاوضات السلمية القائمة بين الفلسطينيين والاسرائيليين بالحرب السلمية في اقليم الشرق الاوسط، واستدلوا على ذلك بان اسرائيل لا تتفاوض من اجل السلام وانما تملي شروطه للاستسلام بعد ان تأكد لها انتصارها في ميدان المفاوضات الذي جسده قبول الفلسطينيين بجزء من الاراضي الفلسطينية المحتلة بدلاً من كل اراضيها الرازحة تحت الاحتلال الاسرائيلي لانها مستعجلة في اقامة الدولة الفلسطينية, انتصار اسرائيل في حرب المفاوضات لم يقتصر فقط على فرض ارادتها السلمية على الفلسطينيين وانما وصل ايضا الى خلق الفجوة والجفوة بين المسار التفاوضي الفلسطيني وبين المسار السوري اللبناني المشترك الرافض للارادة الاسرائيلية والمطالب بالعودة الى الارادة الدولية,هذا الانتصار الاسرائيلي في حرب المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين جعلني اطالب من على منبر جريدة الشرق الاوسط بفصل قضية القدس عن المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية لانها ليست قضية فلسطينية واكبر من ان تكون قضية عربية لانها مدينة القداسات للديانات السماوية الثلاثة اليهودية والنصرانية والاسلام وطالبت العرب بتشكيل معارضة عالمية ضد الالحاد الصهيوني ليقوم مسار عالمي للتفاوض مع اسرائيل حول القدس لتحافظ على هويتها المقدسة بعيداً عن التسلط الصهيوني الملحد الرامي الى القضاء على كل المقدسات بها بما في ذلك المقدسات اليهودية,هذا المطلب الذي ارفعه يستلزم اعادة ترتيب البيت العربي حتى يستطيع مخاطبة العالم عن الاخطار المتربصة بمقدساتهم بالقدس ودفعهم الى العمل الدولي المشترك الذي يمنع صهينة القدس لتكون بلا مقدسات عاصمة لاسرائيل.
|