Sunday 29th August, 1999 G No. 9831جريدة الجزيرة الأحد 18 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9831


أحق الناس بحسن الصحابة
أمك أيها الرجل,, أمك!

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد
حقوق الأم على ابنائها عظيمة وكبيرة فقد احتلت المراكز الثلاثة الأول في حسن الصحبة فليس لها منافس فيها,, فالأم أحق الناس بحسن الصحبة سواء عرفنا سبب ذلك أو كان منا متجاهلا أو جاهلا,, وما ذلك إلا لما قامت به من تضحيات عديدة في سبيل أولادها وراحتهم فلاقت مشاق وآلام ومتاعب لا يعلم حالها فيها إلا الله سبحانه وتعالى,, فحملت ابنها كرهاً ووضعته كرهاً وارضعته واعتنت به وربته,, فهي وعاء حملك أيها الابن تسعة أشهر تخشى عليك أشد الخشية,, ينتابها الخوف والذعر عندما تهدأ حركتك في بطنها,, رغم ماتحدثه تلك الحركة من الآلام والمنغصات,, مع ذلك فهي تسعى جاهدة بالعناية بك وأنت في بطنها رغم شديد الألم وعظيم التعب الى ان تحين ساعات الولادة وما أدراك ما ساعات الولادة,, طلقات تتبعها طلقات وآلام تجلب آلاما وشعور بقبض الروح ونزول الموت,, ومع ذلك فلا شيء يشغل بالها غيرك,, تخاف عليك اشد الخوف تخشى أن يتأخر خروجك فتختنق أو يتغير وضعك في بطنها فيصيبك مكروه,, انظر ايها الابن واعِ هذا المنظر وحالة أمك فالآلام تعتصر قلبها وتقض مضجعها إلا ان تفكيرها كله منصب عليك وبك ولك,, تخاف عليك من أدنى أذى وهي في موقف يرثى لها,, لايهدأ لها بال إلا بعد ان تراك سالماً معافى فتأخذك لتضمك الى صدرها ناسية ما بها من مصائب وآلام,, فرحة بسلامتك,, فتلقمك ثديها لتكون لك الغذاء بعدما كانت لك الوعاء,, فتطعمك عصارة جسدها لبنا خالصاً بإذن ربها,, تزيل بكل رغبة عنك الأذى، وترجو لك البقاء تسهر عندك لتنام,,وتتعب من أجل ان ترتاح,, تفرح لفرحك وتحزن لكدرك تشب معها الآمال كلما رأتك تشب وتكبر,, حتى إذا مابلغت مبلغ الرجال واعتمدت على نفسك واحتاجت إلى برك ترضى منك بالقليل وقد قدمت إليك أكثر من الكثير سعادتها في قربك لها وفرحتها بجلوسك عندها تؤنسها وتهتم بها وتلبي لها مطالبها وتقوم بخدمتها,.
عزيزتي الجزيرة: ومع كل ما قدمت الأم واحتاجت الى حسن الصحبة تجد من الأبناء من لم يقدر لأمه حقها ولم يقم بواجبه نحوها، بل هجرها وابتعد عنها ولم يسأل عنها,, وهناك أمهات يعانين من هجر ابنائهن لهن لايزوروهن ولايسألوا عنهن رغم ان البعض يكون بيته قريبا من بيتها، فمنهم من امه ساخطة عليه تدعو الله عليه ومتى ذكر اولادها عندها دعت للأولاد بالصلاح والتوفيق,, ودعت على ذلك الابن, نسأل الله السلامة والعافية، فهذا الابن لم تره أمه مايزيد على العامين رغم ان البيت قريب من بيتها، فما كان لهذه الأم مع ابنها عبرة وعظة لكل متعظ يبحث عن السلامة كي ينتبه لنفسه فيصلحها ما دمنا في زمن الإمهال قبل ان نتمنى العمل فلا نستطيع,, وفي هذه الكلمة العجلى احببت ان اشارك في هذا الموضوع المهم وذلك من خلال النقاط التالية:
اولاً: يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) سورة الاسراء آية 23 فعطف العليم الحكيم الأمر بالاحسان على الوالدين على الامر بعبادته سبحانه وما ذلك إلا لعظم حق الوالدين واهمية الاحسان اليهما والبر بهما من شفقة وعطف عليهما والعمل على ارضائهما ولين القول لهما واحترامهما وتطييب خاطريهما وتوقيرهما واحترامهما وكل عمل يدخل السرور الى قلبيهما ويسعدهما,, والابتعاد عن كل ماينغص عليها حياتهما,, وحول هذا الامر يقول الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: إن حق الوالدين عليك ان تبرهما وذلك بالاحسان إليهما قولاً وفعلاً بالمال والبدن وتمتثل امرهما في غير معصية الله، وتقوم بخدمتهما على الوجه اللائق بهما ولاتتضجر منهما ، ومن برهما الدعاء لهما: قال تعالى: ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ,, ولقد قرن الله سبحانه شكره بشكر الوالدين قال عز من قائل عليما: أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير لقمان آية 14, قال ابن عباس: فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه .
ثانيا: وكما أمرالابن بالبر والاحسان للوالدين فقد نهي عن ضدهما وهو العقوق من قول أو فعل قال تعالى: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما) الإسراء آية 23, وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى بالوالدين وحفظ حقهما ما اوجب على الاولاد من البر وحرم عليهم العقوق مهما قل حتى هذه الكلمة الخفيفة التي لاتتجاوز الحرفين أف فكيف بمن هجر أمه شهوراً بل سنوات لم تره ولم يرها ولم يسأل عنها رغم قرب بيته من بيتها؟؟!!! فهل بعد هذا من عقوق؟! نسأل الله السلامة والعافية,, ولشدة خطر العقوق وكبره قرنه بالاشراك بالله كما في الحديث الصحيح: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الاشراك بالله وعقوق الوالدين,, .
ثالثاً: الأم لها مزية وزيادة فضل على سائر الناس وحقها أكبر من اي انسان, جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أبوك ، فالأم لها مكانة خاصة لما لاقت من صنوف العذاب والآلام من حمل وولادة ورضاعة ورعاية و و و فاستحقت وبجدارة هذا الاهتمام فنالت ثلاث مراتب بالافضلية ومن بعدها يأتي الاب في الرابعة وما ذلك إلا تقديراً لها وزيادة برّ بها فمهما عمل الابن لأمه فلن يعوضها بعض ما لاقت من أجله,, وروي ان شاباً يطوف بالكعبة حاملاً أمه على ظهره فسأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هل وفى لها حقها؟ فقال له ابن عمر: ولا طلقة واحدة من طلقاتها,, إذاً فالأم لها حق كبير على أبنائها فجعل الله الجنة تحت قدميها,, جاء معاوية بن جاهمة السلمي يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره ان يرجع ويبر أمه، ولما اعاد عليه ذلك قال صلى الله عليه وسلم: الزم رجلها فئم الجنة فيا من قطعت أمك وهجرتها فلم تسأل عنها ولم تحدث نفسك بزيارتها وخدمتها فغبت عنها ولأيام طويلة لا لجهاد في سبيل الله وإنما لعرض من اعراض الدنيا وحطامها الزائل فأفنيت نفسك فيه فنسيت أمك بسببه,, أيعقل أن يوجد ابن يغيب عن أمه اياماً لايراها فضلاً عن الشهر ناهيك عن السنين؟! أبعد هذا عقوق؟ فأين الامتثال لحرمة ذلك قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات فيا من هجرت أمك وجحدت حقها,, أبعد الحمل والفصال والسهر والنكال يكون هجرك لها رداً لجميلها وحسن صنعها؟! أهذا عمل بوصية الله عز وجل لك: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان آية 14.
رابعاً: لقد جعل الله لمن برّ والديه الأجر الجزيل والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فمن المعجل من الثواب للبار بوالديه ان يطول عمره ويتسع رزقه، ففي الحديث من سرّه ان يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه ,, وفي الحديث الآخر: ان الله تعالى أوحى الى موسى صلوات الله وسلامه عليه يا موسى وقّر والديك، فإن من وقَّر والديه مددت في عمره ووهبت له ولداً يوقّره ومن عقّ والديه قصرت في عمره ووهبت له ولداً يعقّه ,, ومنها أن البار يفوز بدعاء والديه له قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده .
واما ما ينتظر البار من الأجر والمثوبة في الدار الآخرة فالجنة داره وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط ابواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه وقوله صلى الله عليه وسلم: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من ادرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة أما العاق فإنه ينتظر من العذاب الشديد حتى ولو قدّم اعمالاً كبيرة فمع مايعجل له من العقوبة في الدنيا ومن اشدها ان يسلط عليه ابن يعقّه كما عق والديه من قبل,, اما عقاب الآخرة فأشد وأنكى,, فعند الوفاة واحضار الروح يمنع الابن العاق التلفظ بالشهادة بسبب سخط الوالد كما في قصة علقمة الذي لم يستطع التلفظ بالشهادة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل له من والد حي؟ فجيء بأمه فسألها عن حال ابنها قالت: يارسول الله كثير الصلاة كثير الصوم كثير الصدقة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فما حالك؟ قالت: أنا عليه ساخطة, فقال صلى الله عليه وسلم: إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة,, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجمع حطب واشعال نار كبيرة ليحرق علقمة فخافت أمه عليه فقال لها صلى الله عليه وسلم: يا أم علقمة عذاب الله أشد وابقى فإن سرك ان يغفر الله له فارض عنه فوالذي نفسي بيده لاينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فرضيت عن ولدها فسمع ينطق بالشهادة,,, هذه حال العاق عند نزع الروح فما حاله بعد ذلك؟؟! سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن اصحاب الأعراف فقال: رجال خرجوا الى الجهاد بغير رضا آبائهم وأمهاتهم فقتلوا في الجهاد فمنعهم القتل في سبيل الله عن دخول النار ومنعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة فهم على الاعراف حتى يقضي الله فيهم أمره فانظر حال العامة مع انه شهيد يمنع من دخول الجنة بسبب عقوق فما ظنكم بمن لم يقتل في سبيل الله؟ جاء رجل الى رسول الله صلى عليه وسلم فقال: يارسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا ان يعقَّ والديه, وقانا الله واياكم العقوق ووفقنا الى بر الوالدين والقيام بهما خير قيام.
خامساً: وفي الختام أنقل كلمات مؤثرة وموعظة بليغة وصف بها حال الام مع ابنها وموقف بعض الأبناء مع الأم ذكرها الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر قال: أيها المضيع لأكبر الحقوق، المعتاض من بر الوالدين بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عما بين يديه، بر الوالدين عليك دين، وانت تتعاطاه باتباع الشين، تطلب الجنة بزعمك، وهي تحت اقدام امك, حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج، وكابدت عند الوضع مايذيب المهج، وأرضعتك من ثديها لبنا، واطارت لاجلك وسنا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغذاء ، وصيرت حجرها لك مهداً، وأنالتك احساناً ورفداً، فان اصابك مرض او شكاية اظهرت من الأسف فوق النهاية، واطالت الحزن والنحيب، وبذلت حالها للطبيب، ولو خيّرت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها، هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا، فدعت لك بالتوفيق سراً وجهارا، فلما احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من اهون الاشياء عليك، فشبعت وهي جائعة ورويت وهي قانعة وقدمت عليها اهلك واولادك بالاحسان ، وقابلت اياديها بالنسيان، وصعب لديك امرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، هجرتها وما لها سواك نصير، هذا ومولاك قد نهاك عن التأفف، وعاتبك في حقها بعتاب لطيف، ستعاقب في دنياك بعقوق البنين، وفي اخراك بالبعد عن رب العالمين يناديك بلسان التوبيخ والتهديد (ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله.
عبد المحسن المنيع
الزلفي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved