Sunday 29th August, 1999 G No. 9831جريدة الجزيرة الأحد 18 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9831


عبقريات العقاد بين المتن والإسناد حلقة 74
صالح بن سعد اللحيدان

ويقول أيضاً في معرض نقله عما قيل عن بني أمية في كتب فيها من الخبث بقدر ما فيها من الجهل والعجلة والحمق يقول في ص 142: وعرض لهم بذلك اناس من ذوي قرباهم في صدر الإسلام وأشهر ما اشهر من هذه الشبهات قصة ذكوان الذي يقولون إنه من: آبائهم، ويقول النسابون إنه عبد استلحق على غير سنة العرب في الجاهلية ومما يعلل به هذا الفارق أن بني أمية كانوا يغيبون عن ديارهم ويعودون اليها فلا يطيب للمقيمين فيها أن يعترفوا لهم بدعوى الزعامة عليهم، وأنهم أكثروا من الرحلة في بادي الأمر لحاجتهم وقلة محصولهم من نتاج النعم وأرباح التجارة .
ثم يستطرد المؤلف في هذا وينقل كلاما لم يقله إلا من وصفناه من قبل، إن المؤلف عفا الله تعالى عني وعنه كغريق في ماء وجل لم يصف ولم تحدد معالمه فهو يتخبط ذت اليمين وذات الشمال فيما قيل دون عودة الى ما يجب ان يعاد إليه ثم هو يسرد ذلك الذي قيل كأنه جبل لا تهده العاديات وأصل هذا أن المؤلف لم يبين على اصول صحيحة فيما ألف مثل هذه الكتب مع أن بلاد مصر من حين ولادته الى وفاته مليئة بعلماء كبار في الحديث ودراسة الأسانيد وحال الرواة وان كانوا ليسوا بذي مشاركة في الصحف لأنهم لم يكونوا يرونها لكنهم أثروا الأمة بتأليف الكتب ومناقشة الرسالات.
ولقد كان بمكنته سؤالهم لا عن نتائج ماذهب إليه من آراء ونظريات لكن عن الآثار خاصة القرن الأول حتى نهاية 300ه.
ولقد يمكنه لو فعلها لوقف على حقيقة الأغاني.
ومقاتل الطالبيين.
والقينات.
ونهج البلاغة.
ولأدرك وهو الألمعي أي شيء يراد بدينه وقدوته وأئمته من السادة الغرر أهل القرون الثلاثة.
لكنه فقد ما فقد وفاقد الشيء لا يعطيه إلا انه خير بكثير من أضرابه الذين ألفوا على غرار ما ألف كما ذكرت ذلك من قبل.
وما دونه عن النسب والشك فيه فإن قريشا/ وبنوا أمته/ منهم أحرص ما يكونون على حفظه وسلامته فوق ما يتصوره العقل.
ولو وجد في هذا ما له أصل لذكر بسند ناهض فيه بيان وحجة لكن المغفلين وفاقدي الآلة يقعون بما نصب لهم من شباك، ولو كان شباك: الرواية والأثر المدبج الجميل، وقد يستهويك منظر أفعى لجمالها وهدوء سيرها وحركة لسانها وفيها الحتف.
ثم جاء في ص 144/145 ينقل من ابن هشام والسيرة الجلية وسواهما وما نقله من هناك فجملته صحيح وان لم يشر الى المصدر لكنه ليته عاد الى تفسير سورة الفيل وهي مدونة في غالب كتب الحديث بأسانيد معروفة خاصة الكتب الستة ثم يجمل في ص 145 ما تم بين إبرهة وعبدالمطلب فيقول: (هذه هي المطلبية التي نفيها من خصال هذا الرجل العظيم لا تهور مع القوة الطاغية).
ثم يقول: (وقد حدث بعد ذلك ما حدث مما لا شك فيه هكذا وهو فتك الجدري بجنود إبرهة وانهزامه عن البيت وخوفه من أن يتقدم إليه بأذى وانه لخبر قد يسهل إنكاره على المتحذلقة من أدعياء التاريخ الذين يجمعون التمحيص كله في الإنكار لولا أن حديث الجدري الذي فشا (سنة 569 مثبت في تاريخ: بروكوب .
يجزم المؤلف ويقطع بأن ما أصاب إبرهة وجيشه إنما هو فتك مرض الجدري الذي هدم الجيش وشردهم.
أرأيتم كيف يهلك الإنسان إذ هو أهمل مرضه او ذهب لمشعوذ دجال او ساحر كذاب او منجم مغتر او ذهب لذي حيل وحيلة فيغشه فيموت؟
أرأيتم كيف يزل الإنسان ثم لا يدري أنه لا يدري بل مثل هذا يزعم أنه صاحب مبدأ ومدرسة وهو هالك وقد يكون مستغلا فيكون بجانب هذا وذاك غبيا؟ أرأيتم من ينشد المجد والشهرة فيراهما بالاستاذية والتعلم والاجتهاد على حساب توحيده فيرسم مجده من خلال النقد والأدب وجرأة الطرح المسبوق اليه من: فرويد وداروين وإليوت وميكافيلي وجان بول سارتر وماركس وانجلز والبروموتورافيا؟ فهذا لا يدري أنه لا يدري أن عمله عمل ممسوخ ومثله يبيع الماء في حي السقاة ومثله ببغاء يعلمون أكثر مما يعلم فهم يرثون ويضحكون لكنهم لا يتألمون لأنهم يدركون أن الببغاء لا تستنسر وأن حد الماء الذهاب وان الفراغ مقتلة وأن التقليد هوان والجهل العقلي مرداة والسفه مسفلة والجنون فنون.
فليت المؤلف وهو جد قدير وألمعي النظرة عاد الى ما ورد عن: الطير الأبابيل في كتب التفسير فضلا عن كتب الحديث الموثوقة، ولو عاد الى مجرد معجم لغوي لوجد أن: الطير طير على الحقيقة، وأن المفسرين بأسانيد صحيحة ذكرت أن: الطير الأبابيل طير يطير بجناحين، يقول ابن كثير في ج 4 ص 551/ 553 في كتابه التفسير : (وقد قال حماد بن سلمة عن عامر عن زر عن عبدالله وأبوسلمة بن عبدالرحمن (طير أبابيل) قال: الفرق، وقال ابن عباس والضحاك: أبابيل يتبع بعضها بعضا وقال الحسن البصري وقتادة: الأبابيل الكثيرة وقال مجاهد: أبابيل شتى متتابعة مجتمعة وقال ابن زيد: الأبابيل المختلفة تأتي من هاهنا ومن هاهنا اتتهم من كل مكان، وقال الكسائي سمعت بعض النحويين يقول: واحد الأبابيل: إبيل.
وقال ابن جرير حدثني عبدالأعلى حدثني داود عن اسحاق بن عبدالله بن الحارث بن نوفل أنه قال في قوله تعالى (وأرسل عليهم طيراً أبابيل) هي الأقاطيع كالابل المؤبلة، وحدثنا ابوكريب حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين عن ابن عباس (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) قال لها: خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب.
وحدثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله تعالى (طيراً أبابيل) قال: كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع.
وحدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير (طيراً أبابيل) قال هي: سود بحرية في مناقيرها وأظافيرها الحجارة وهذه أسانيد صحيحة.
وقال سعيد بن جبير: كانت طيراً خضراً لها مناقير صفر تختلف عليهم، وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها: عنقاء مغرب ورواه عنهم ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبوزرعة حدثنا عبيد الله بن محمد ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير قال: لما أراد الله (تعالى) ان يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا انشئت من البحر أمثال الخطاطيف كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار مجزعة حجرين في رجليه وحجرا في منقاره، قال فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما يقع حجر على رأس رجل إلا وخرج من دبره ولا يقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر وبعث الله (تعالى) ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعا.
وقال السدي عن عكرمة عن ابن عباس حجارة من سجيل قال طين من حجارة سنك) أ,ه, عن الطير الأبابيل فقط مما اثبته الإمام ابن كثير دون بقية وكامل السورة, فعد الى هناك تجده مطولا وقال الإمام الشوكاني في ج 4 ص 495/497 من تفسيره المعروف (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير) وهو كتاب جليل القدر نقلا وعقلا ألفه بروح واسعة وعلم جم وعقل سليم وطرح ممتاز يقول: (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالابل المؤبلة، قال أبو عبيدة: أبابيل جماعات في تفرقة، يقال جاءت الخيل أبابيل أي جماعات من هاهنا وهاهنا, قال النحاس: وحقيقة انها جماعات عظام، يقال فلان توبل على فلان أي تعظم عليه وتكبر، وهو مشتق من الابل، وهو من الجمع الذي لا واحد له، وقال بعضهم: واحدة ابول مثل عجول، وقال بعضهم.
قال الواحدي: ولم نر أحدا يجعل لها واحدا، وقال الفراء: لا واحد له من: لفظه، وزعم الرؤاسي وكان ثقة: أنه سمع في واحدها: أبالة مشددة.
وحكى الفراء أيضا: أبالة بالتخفيف، قال سعيد بن جبير: كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها.
قال قتادة: هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة احجار حجران في رجليه وحجر في منقاره لا يصيب شيئا إلا هشمه،
وقيل كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع، وقيل كان لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب، وقيل في صفتها غير ذلك، والعرب تستعمل الأبابيل في الطير كما في قول الشاعر:
تراهم إلى الداعي سراعاً كأنهم
أبابيل طير تحت دجن مسجن
وتستعملها في غير الطير كقول الآخر:
كادت تهد من الأصوات راحلتي,, أن سالت الأرض بالجرد الأبابيل.
ولا جدل أن هذا من الامامين ابن كثير والشوكاني يقطع بما يلزم تجاه الشريعة أن لا يعول على مجرد رأي ليس بذاك او لعله رأي هابط قصد صاحبه منه إفساد الآثار بالتأويل الرديء كحال المعتزلة والخوارج والرافضة والقدرية والجبرية والصوفية، الذين أولوا بالعقل ما لا يستسيغه العقل السليم.
فليست الطير الأبابيل جدريا أصاب قوم إبرهة وانظر هذا التأويل مع ما ورد من النص تجد خطراً على الآثار من العقول الضيقة الضعيفة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved