Saturday 21st August, 1999 G No. 9823جريدة الجزيرة السبت 10 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9823


الحكمة الاقتصادية عند النملة

يصبح عددنا ثمانية مليارات تقريبا سنة 2000 فماذا سنأكل؟!.
هذه الصيحة اطلقتها المنظمات العالمية المهتمة بأمورالزراعة والتغذية.
فانعقدت مؤتمرات عديدة، واصدر خبراء الزراعة والغذاء تقارير ودراسات سعيا لتأجيل موعد الانسانية مع شبح المجاعة.
أليس من المضحك، الحديث عن الجوع، بينما توزع اللحوم المعلبة، ذات القيمة الغذائية العالية على القطط والكلاب المنزلية في البلدان الغنية؟!.
يقول فرانكلين برل في كتابه (الجوع اقصر طريق الى يوم القيامة): لدى الامريكيين 100 مليون كلب وقط، تأكل القطط منها ثلث السمك المعلب جميعه، يصرف الامريكيون عليها حوالي 5,4 بليون دولار سنويا، بينما لم تبلغ مساهمة امريكا في اطعام الشعوب الجائعة في العالم سوى 25 بليون دولار في السنوات العشرين الماضية.
ومن الطريف ان ميزانية اطعام القطط والكلاب في امريكا تعادل خمسة اضعاف ميزانية الامم المتحدة في نيويورك، ففي عام واحد صرف على القطط والكلاب الامريكية 3,2 مليار دولار، بينما كانت ميزانية الامم المتحدة فقط 683 مليون دولار لا غير.
وفي المقابل فان الارقام والاحصاءات التي جمعتها منظمات الامم المتحدة، تشير الى ان اكثر من 400 مليون من البشر يعانون من نقص في التغذية، اي لا يأكلون حتى الشبع، بينما يشكو حوالي نصف سكان الارض من جوع بطيء ناتج عن سوء التغذية.
بعد ان بينا بالارقام نقص التغذية، وبعض حالات الجوع بات من الضروري البحث عن اسباب ذلك وأول ما يتبادر الى الاذهان هو الاسباب الطبيعية كالجفاف وضيق الرقعة المزروعة وقلة انتاج الارض، وقلة الموارد.
وهذه الاسباب جميعها تسعى الى إلقاء المسئولية على العوامل الطبيعية, لكن ألا يتحمل الانسان قسطا من المسئولية؟!.
فلماذا لا يستعمل الانسان المساحات التي يمكن زراعتها؟ ولماذا لا يستعمل بشكل افضل الثروات الحيوانية المتوفرة فوق ارضه؟ ولماذا الجوع في عالم تسكنه الوفرة؟ ولماذا انتشر الجوع الصامت؟! وهل يمكن ان يعاني انسان من الجوع على الرغم من امتلاء معدته، ومن تناوله كمية السعرات المطلوبة يوميا؟!.
والحقيقة التي نؤكدها ان اي انسان لا يختار ان يجوع بمحض ارادته.
يُروى ان حكيما كان يتجول في البلاد، فشاهد عجوزاً يغرس نباتات نخل صغيرة, سأل الحكيم العجوز قائلا: اني اعجب منك ايها العجوز، انت تزرع النخيل الذي لا يعطي ثمارا الا بعد سنوات طويلة، فهل تضمن انك تعيش لكي تأكل من ثماره؟ فرد العجوز: عندما وجدت نفسي على هذه الارض كانت هناك اشجار نخيل كبيرة آكل من ثمارها، وهكذا زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون.
اذن، الحل الصحيح لمشكلة الجوع والغذاء، ليس بمعالجة الواقع الحالي مما يعاني منه من مشكلات، بل من خلال التخطيط لمواجهة احتمالات المستقبل.
اننا نعيش فوق سفينة فضائية تدعى: الارض، تُبحر عبر الزمن, عدد ركاب السفينة يتزايد بنسبة اكبر من نسبة تزايد الغذاء عليها.
وينقسم الركاب الى فئتين:
ركاب الدرجة الاولى، يحصلون على كميات من الغذاء تفيض عن حاجتهم ويزيد عددهم بنسبة اقل من نسبة تزايد غذائهم.
ركاب الدرجة الثانية، يحصلون على غذاء يقل عن حاجتهم ويتزايدون بنسبة اكبر من زيادة غذائهم وبعض هؤلاء يحصل على الفتات الذي يتساقط عن مائدة ركاب الدرجة الاولى مقابل خدمات يسيرة، من نوع ان يتخلى احدهم عن كرسيه، ليتمكن راكب متخم من بسط قدميه فوق هذا الكرسي.
يعتقد معظم خبراء السفينة وعلمائها ان تزايد عدد ركاب الدرجة الثانية، يشكل خطرا على مستقبل الحياة وقد توصلت الدراسات والاحصاءات الى ان تزايد عدد الركاب الفقراء هو السبب الرئيسي لفقرهم ونقص غذائهم, ومن ثم ينبغي على هؤلاء الركاب ان يحدوا من تزايد عددهم، لكي لا يصل بهم الامر الى الجوع.
ولا ننسى ان فراغ المعدة قد يؤدي الى فقدان التوازن العقلي وربما الجنون، الذي يدفع ركاب الدرجات الدنيا الى الاعتداء على ركاب الدرجة الاولى للاستيلاء على ثرواتهم واموالهم.
خاطبت بقرة نملة، ذات يوم وقالت لها: إني اعجب منك انت الصغيرة، تلدين عددا كبيرا من النمل في كل سنة ولا تشكين ابدا من الجوع, اما انا، على الرغم من ضخامة جسمي وقوتي، فإني ألد بقرة واحدة في السنة، ولا استطيع تأمين عيشي, فاضطر للعمل عند الانسان للحصول على طعامي, اجابت النملة بتواضع: عفوا سيدتي البقرة، انت تلدين معدة كبيرة فوق اربع قوائم كسولة، اما انا فمقابل كل فم ألده، هناك ست قوائم نشيطة تبحث عن حبات القمح وتحملها الى الوكر.
ان افضل طريقة للخروج من دوامة النقاش حول العلاقة بين ازمة الغذاء وتزايد السكان، هي الاختيار بين شقاء البقرة وحكمة النملة.
فقد يكون التزايد السكاني عبئا على اقتصاد البلد اذا لم تكن هناك القدرة على التنفيذ، والخطط الكافية والمناسبة من اجل تنمية موارد هذه البلاد واستغلال ثرواتها.
وقد يكون التزايد السكاني عاملا اساسيا من عوامل تنمية البلاد وزيادة ثرواتها، اذا تمت الاستفادة من الذراعين والعقل المبدع.
يقول المثل الشعبي: الجوع هو امهر الطباخين, ويمكننا ان نضيف اليه: وهو ايضا امهر المعلمين.
فالانسان القديم لم ينتظر اكتشاف الكيمياء والابحاث العلمية الحديثة، ليعرف المواد الضرورية الغذائية لجسمه، بل ان احساسه بالجوع دفعه الى تناول مواد مختلفة من اجل ملء معدته، وبطريقة التجربة والخطأ توصل الانسان الى اكتشاف الاطعمة المناسبة لتغذيته.
وخلال آلاف السنين طور الانسان صناعة الطعام ونوع مصادره: اطعمة من اصل نباتي وأطعمة من اصل حيواني واصبحت الآن طرق صنع الطعام وعادات الاكل وآداب المائدة جزءا من تراث كل شعب من شعوب الارض.
ولم يعد الطعام ضرورة حياتية فقط، بل اصبح مصدرا للذة، وايضا مناسبة اجتماعية ووسيلة لتوثيق روابط الصداقة بين الناس.
نحن نتنفس بدون انقطاع خلال النهار والليل، وينبض قلبنا بدون توقف ونشرب بضع مرات في النهار، ونأكل عادة ثلاث وجبات من الطعام في اليوم.
أليس بالامكان توفير المجهودات عن طريق الاستغناء عن التنفس والشراب والطعام، او على الاقل أليس بإمكاننا ان نأكل او نشرب ساعة يحلو لنا؟ مرة او مرتين في الاسبوع؟!.
بالطبع، الجواب: لا، لان التغذية تشكل وظيفة اساسية من وظائف الحياة.
ختاما اقول ان الانسان هو اكبر ثروة وطنية وهو العامل الاساسي في زيادة ثروات بلاده، ولكن هذا يتطلب حصول الانسان على الغذاء المناسب والتربية الكفيلة بتخليصه من قيود الفقر والجوع والجهل والتخلف والخوف، ان مستقبل وطننا يواجه تحديين: تأمين الغذاء الجسدي، والغذاء الفكري للاجيال القادمة.
وقد آن اوان ذلك!!.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
لقاء
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved