Thursday 19th August, 1999 G No. 9821جريدة الجزيرة الخميس 8 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9821


المسافة بين الحرية والموت حراً !

تجتاح الولايات المتحدة صيف كل عام موجة من الحرارة المرتفعة (نسبيا!) مما يؤدي بالتالي الى موت عدد ليس بالقليل من المواطنين، وخصوصاً الأطفال وكبار السن منهم!, هنا تعلن حالة الطوارىء بين اوساط الجهات المختصة ويسارع المسؤولون الى محاولة ايجاد حل لتلك المشكلة المزمنة,, ولكن من دون جدوى!,, هذا وقد لاحظت ومن خلال متابعتي لتلك الظاهرة المكرورة سنوياً لجوء اجهزتهم الاعلامية الى التقليل من فداحة هذا الخطب والتعامل معه كحدث عادي يسري عليه ما يسري على غيره من احداث من هذا القبيل! حيث انه من المعلوم (اعلامياً!) ان تأثير موت الفرد الأمريكي داخل حدود بلده يختلف اختلافاً جذرياً عن الموت خارج حدوده فغياب عاملي الاثارة الاعلامية والموت قضاء وقدرا (وليس من ارهابي ما!!) من الأمور التي لا تثير غريزة ولا تسيل لعاباً! ولِمَ لا؟! فالموت (داخلياً!) حق في نظرهم كذلك!.
هذا وبينما كنت اشاهد قناة CNN فوجئت بقيام مراسل من مراسليها باستعراضه (بعجالة!) لثلاثة أسباب مباشرة يعتقد انها وراء حدوث ما يحدث كل صيف! تلك الأسباب يتمثل اولها بخوف كبار السن من الجرائم مما يجبرهم على احكام اغلاق نوافذهم وابوابهم مما يزيد من حرارة بيوتهم غير المكيفة وبالتالي يؤدي الى موتهم!, اما السبب الثاني فيتمثل في الفقر المدقع والذي من جراءه لا تستطيع ميزانية الفرد من اولئك الضحايا تحمل شراء جهاز تكييف! (وبالمناسبة ارتفعت الآن معدلات سرقة اجهزة التكييف من الشركات والكنائس لغرض بيعها وحسب قول المحطة المذكورة!) اما السبب الأخير فيكمن في غياب قيم التكافل الاجتماعي وانقطاع اواصر التواصل بين ذوي القربى والجيران وبالتالي العزلة والوحدة والموت!,, والسبب الأخير - وكما أفادنا مراسل القناة المذكورة - نابع من (انقراض!) ما يعرف علمياً ب(العائلة الممتدة) لدى الشعب الامريكي وهو مصطلح يشير الى عيش الآباء والابناء والأحفاد تحت سقف واحد مما يتيح لهم الفرصة لتفقد ورعاية بعضهم البعض, هذا وقد اوضح هذا المراسل ان توسلات المسؤولين للمواطنين بتفقد احوال جيرانهم خوفاً من موتهم لم تجد آذاناً صاغية مما بالتالي ضاعف من اعداد ضحايا (الحر!).
هنا دعونا نستعرض الأسباب الآنفة الذكر ونناقشها بايجاز: فخوفك وانت وحيد غير قادر على الدفاع عن نفسك واضطرارك الى وصد النوافذ والابواب (وسيلتك الوحيدة للنجاة!) امر منطقي في مجتمع تسوده الجريمة ويعيث به المجرمون - وان فنده مبدأ تعددت الأسباب والموت واحد! - ومع ذلك الا يتعارض الخوف مع مبادىء الحرية؟!
اما الفقر في مجتمع يعتبر أغنى المجتمعات (تاريخيا!) فهو امر لا يثير فضولي كذلك في ظل الحقيقة الجلية والمتمثلة باحتكار ما لا يزيد عن 3% من اليهود والرأسماليين لما يزيد عن 90% من ثروة هذا المجتمع ومع ذلك الا يتعارض الفقر (والاحتكار!) مع مبادىء الحرية؟!.
أما السبب الأخير، الخاص بغياب قيم التكافل الاجتماعي، فهو في الحقيقة ما لفت نظري وأثار استغرابي: من حيث انك في الوقت الذي تجد منهم (تحسراً مبطناً!) على غياب قيم التكافل الاجتماعي لديهم فلن تعدم فيما لو قدر لك تصفح اي كتاب يُعنى بالتنمية باشكالها المختلفة (النهم!) من الفرضيات والنظريات العلمية القاطعة (احصائياً) على مساوىء العائلة الممتدة السابق ذكرها بل والاصرار على ان قيم التكافل الاجتماعي (بأنموذجها الشرقي!) هي من اهم اسباب تخلف الدول النامية!,, هنا تجد نفسك مجبراً على سؤال (نفسك!) ولا يزيل (تساؤلك!) هذا سوى حمدك لله على العافية ولسان حالك (يسألك!): لماذا تتعارض قيم التكافل الاجتماعي مع الحرية؟!,, وهل من الحرية الموت (حراً؟!!).
د: فارس الغزي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved