Thursday 19th August, 1999 G No. 9821جريدة الجزيرة الخميس 8 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9821


ضحى الغد
الأرض المتصدعة!

* هل نظرت يوماً الى فعل الجفاف في الأرض الطينية الخصبة، إنه بعد ان يقضي على نباتها الأخضر ويحيله الى هشيم تذروه الرياح، يبدأ في فعله التالي حيث تتصدع الأرض وتتفطر وتتحول الى قطع وفصائل ممزقة!.
وكلما شاهدت هذا المنظر على الطبيعة أو في صورة لوحة، تذكرت طبيعة إنسانية لا تحدث الا في ظروف مشابهة حين يمر الانسان او المجتمع بجفاف انساني فتشاهده في ذلك الموقف اشبه ما يكون بصورة تلك الارض!.
إن العصبية جفاف روحي تحس معها ان ذلك الانسان المتعصب لا يملك الرحمة، كما ان تلك الارض قد غابت عنها رحمة الله (المطر!) فأجدبا وجفا وتصدعا وتحولا الى فصائل ممزقة لا خير منها ولا نفع فيها!.
ونتساءل عن هذا الانسان الذي يعيش في أرض خصبة غنية بثراها لماذا يتعصب، ويدخل في دوائر ضيقة ويحشر نفسه، ويغلق دائرته؟! وينظر الى من حوله وكأنهم أغراب، وكأنه شيء آخر لا يمت لهم بصلة ولا ينتمي لهم بسبب! سبب واحد أدركته وعرفته من منظر تلك الارض الخصبة التي انقطعت عنها السماء، وهجرها المطر فتصدعت وتفطرت قطعاً قطعاً,.
إن جفاف ينابيع الرحمة عن تلك الأرض، هو الذي جعلها متصدعة متقطعة!.
وإن جفاف الروح هو الذي احال ذلك الانسان الى متعصب لطبقته متخلخلاً من محيطه العام، منقطعاً عنه وكأن تلك الارض ليست منه، وكأنه ليس منها!.
ومن الجانب الآخر ترى الارض الخصبة التي جادت عليها رحمة الله كأنها لحمة واحدة، غنية ثرية متماسكة! تؤتي شجرها وزهرها وثمرها في كل حين!.
فإذا كنت رجلاً عاماً فاخرج من نزعة العرق ودائرة الفصيلة وكن للجميع واحداً، واحذر من عصبيتك فإنها إن اغرتك وأغوتك فقد جذبتك من موقعك العام الى الموقع الخاص لتتحول من قلب نابض للجسد كله الى عضو مفرد منه، وان لم تشعر بذاك التحول لكن الآخرين يشعرون به ويحسونه، انهم يرون مكانك امامهم خالياً، فاذا التفتوا وراءهم فاذا انت راجع الى صف فصيلتك قد أويت اليها فيمضون ويدعونك خلفهم! ولسوف تعلم ان عصبيتك بغير الحق كان ضلالاً لا رشاد فيه وان هذه الفصيلة هي اول من تبرأ منك وتخلى عنك وسلمك الى حيث الحساب العدل امام المحاسب العادل، ولو انك ميزت لما تحيزت، ولأدركت انه حين منحك الله إدارة لفئام من الناس مختلفة اجناسهم واعراقهم قد خرجت من شرنقة الفصيلة وامسيت رجلاً عاماً عليه ان يكون للجميع واحداً، وان ينسى خصوصيته وان ينظر للجميع بعينين اثنتين لا اغماض ولا ازورار فيهما وان يتحرى العدل والانصاف للجميع!.
واذا كانت العصبية للفصيلة ايا كان نوع هذه الفصيلة، سواء كانت للدم أو للأرض هي دلالة على شدة الروابط والوشائج، الا انها في حق الرجل العام تعني انه ما زال اسير خصوصيته، وانه لا يحس بالموقع الذي حلَّق اليه ولا بالنعمة التي صار فيها ولا بمعيار الميزان الذي يمسك بكفتيه!.
إن الرجل العام حق مشاع للجميع تماماً، كأوزان المكاييل وكضوابط المقاييس، وكأسنان المشط لا احد يدعيها لنفسه لأنها حق عام ولا هي من جانبها تميل الى احد ضد احد فالجميع سواء امام المكاييل!.
فإذا انتبه الرجل العام لمثل ذلك فقد نجا في يوم تتخلى عنه الفصيلة في اشد حاجته اليها! واذا غفل عن هذه الحقيقة فقد هلك يوم تفر الفصيلة عنه، فيندم ولات مندم، ويعرف ان حيفه معها وميله اليها ووقوفه معها بالحق والباطل كان ظلماً منه، وها هو يوم الدين في ندم وحسرة,.
عبد الكريم بن صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved