Sunday 15th August, 1999 G No. 9817جريدة الجزيرة الأحد 4 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9817


في الذكرى المئوية الثانية لميلاد بلزاك
براعته السيكولوجية وأفق رؤيته جعلاه من أعظم الروائيين
رضا الظاهر

بالنسبة للروائي الفرنسي العظيم بلزاك (1799 - 1850) كانت اعياد الميلاد تبديداً لوقت الكتابة، وتذكيراً كئيبا بذلك القليل الذي أنجزه, وفي عام ميلاده الثامن والثلاثين، وكان ما يزال مثقلا بالديون، وعليه انجاز ست روايات متأخرة، كان يمكنه ان يرى نفسه وهو يعود إلى نقطة انطلاقه: العلّية التي تقع قريبا من قصر الباستيل حيث بدأت موهبته الكتابية عام 1819 وفي عيد ميلاده التالي اقسم انه بحلول عامه الاربعين ستنتهي كل صراعاته وأزماته, وبعد سبع سنوات من ذلك كان كاتالوج (الكوميديا الانسانية) يضم 52 عنوانا لاعمال يتعين كتابتها .
وإذ خلق عالما روائيا بعوائله، وأماكنه، وأشيائه، وأناسه، وأحداثه الخاصة ، لم يكن من المدهش انه كان يفضل ان يبتكر ايام عيد ميلاده الخاصة, فقد أخبر زوجة المستقبل عام 1847 قائلا: ولدت في سبتمبر عام 1833 وهو يلمح إلى تاريخ اول لقاء لهما في نوشاتيل والبرهان على ذلك ان عمري يبلغ اربع عشرة سنة, فأنا واقع في الحب كما يقع فتى في عمر الرابعة عشرة .
أما نحن فنعرف ان عمر بلزاك يبلغ مائتي عام حيث ولد في العشرين من مايو/ آيار عام 1799, وقد بدأت الاحتفالات بعيد ميلاده، في الواقع، العام الماضي بفيلمين يعتمدان على قصص من (الكوميديا الانسانية)، ولم تتوقف حتى الآن، حيث تجري فعاليات في مختلف انحاء فرنسا وخارجها من ندوات ومحاضرات ومعارض وما إلى ذلك.
وقد بدأت صحيفة (لوموند) الفرنسية احتفالها ببلزاك بمقال اسبوعي مكرس لشخصيات من (الكوميديا الانسانية) ويستمر لمدة اثنين وخمسين اسبوعا, ولو تعين ان ينشر عن كل شخصية مذكورة في رائعته عمود أسبوعي، فإن نشر هذه الاعمدة سيستمر حتى العام 2050 الذي يشهد الذكرى المئوية الثانية لوفاته.
ومن الطبيعي ان هناك طريقة افضل للاحتفال بعيد ميلاد بلزاك تتلخص في الشروع بقراءة (الكوميديا الانسانية), وهذا يطرح السؤال الذي غالبا ما طرحه قراء بلزاك: اي من الاعمال ال99 التي تضمنها (الكوميديا الانسانية) ينبغي قراءته اولا؟ ان ترتيب بلزاك الخاص ليس بالضرورة افضل ترتيب.
وبالنسبة للباحثين في ادب بلزاك فإن المشكلة لا تكمن في تحديد نقطة الانطلاق، وانما في تحديد المجال, وحتى في السرعة البطيئة للتفكير العادي فإن قراءة (الكوميديا الانسانية) تستغرق حوالي ستة أشهر.
ان حيوية ابداعات بلزاك وأفق رؤيته جعل البعض (وبينهم الروائي الامريكي الكبير هنري جيمس) يعتبرونه اعظم الروائيين, وكان تأثيره على الروايات اللاحقة ومبدعيها تاثيراً هائلاً، ويعتبر عمله مرجعاً أساسياً من مراجع تاريخ الرواية الفرنسية والاوروبية.
ويتساءل بعض نقاد بلزاك: لماذا تنتاب الهواجس هذا الروائي حول الكذب؟ ولماذا يصور سكان باريس باعتبارهم موكبا من الاقنعة جميعهم يتميزون بعلامات لا تمحي من الجشع اللاهث ؟ ولماذا تعتبر الرواية، بالنسبة لبلزاك، كذبة جليلة ؟ ويجيبون بأن بلزاك كان يكشف عن الاكاذيب او الاوهام التي كان يقوم عليها المجتمع، ويحلل، في الوقت نفسه، اضطراباته العصبية، ويكتشف العمليات التي عرفت لاحقا بالاسقاط والتسامي.
وينظر إلى (الكوميديا الانسانية) باعتبارها تجسيداً عملاقا لدراما بلزاك العائلية: أب ضعيف، وأم متنمرة غير مخلصة لزوجها، وبلزاك الصغير الذي يمزقه التناقض بين الواقع الخاص والمظهر العام الكاذب, ان بلزاك يضع شيئا من نفسه في كل شخصياته,, وأشار بعض النقاد إلى امكانية ان يتحدث المرء عن ابداعه بطريقة التوالد بالانشطار، وهم يذكروننا بالبراعة السايكولوجية التي جاء بها بلزاك الى الرواية الفرنسية.
وكانت روايات بلزاك تصف حياة الناس، والعواطف المعقدة والعنيفة لخضم باريس الذي مارست عليه قوى الطغيان تسلطا غير محدود، من عالم البورصة، إلى عالم السياسة والصحافة, وبرع بلزاك في بناء الشخصيات,ومن المعروف ان بلزاك الواقعي ساند اسرة آل بوربون، وصور مصالح النبلاء وملاك الارض، وتعتبر اعماله التي سجلت تاريخ فرنسا في النصف الاول من القرن التاسع عشر قصيدة تأملية حزينة حول التفتت المحتوم لذلك المجتمع، وكفنان رأى قوة التغيير الاجتماعي في خصومه السياسيين الجمهوريين, يقول بلزاك في مقدمته ل(الكوميديا الانسانية): لكي استحق الثناء الذي يجب ان يناله كل فنان، كان علي ان ادرس اسس الظواهر الاجتماعية، واتصيد المغزى الدفين للحشد الهائل من الانماط والانفعالات والاحداث, وبكلمة، حين بدأت (ولا اقول حين وجدت) هذا الاساس، هذا المحرك الاجتماعي، توجب علي التفكير بمبادئ جوهره,,, ويتجلىعمق هذا التفكير في كشفه عن الطموح الواعي للكاتب نحو اكتشاف المنطلقات المحركة للحياة.
ويتجلى نقد بلزاك العميق للواقع في عدد من افضل رواياته وقصصه الطويلة مثل (الأوهام الضائعة)، (بريق وفقر)، (يفغينيا غرانديه)، (هو بسيك)، (بيت البانكير فيوسينجين)، (الاب غوريو)، (عظمة وسقوط سيزر بيروتو)، وغيرها من الاعمال الابداعية المميزة للروائي الفرنسي الكبير.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved