Sunday 8th August, 1999 G No. 9810جريدة الجزيرة الأحد 26 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9810


أودن الأخير ,,فنان في شكل الشعر ولغته
رضا الظاهر

من المعروف أن د, ه, أودن لم يرغب في أن يكتب أحد سيرة حياته، إذ قال إنه بالنسبة لشاعر مثلي تعتبر سيرة الحياة الذاتية زائدة عن اللزوم ما دام كل شيء يحدث للمرء مندمج، على نحو غامض، في قصيدة .
لكن أودن قال، أيضاً، إنه عندما كان يواجه قصيدة كتبها شخص آخر كان يسأل نفسه سؤالين, الاول هو أنه يوجد هنا طباق لفظي، فكيف يعمل هذا الطباق؟ .
إن إدوارد مندلسون، الذي سجل سيرة حياة الشاعر الإنجليزي أودن الصادرة مؤخراً تحت عنوان (أودن الأخير)، هو أكثر من كاتب سيرة, فهو يركز على العمل الإبداعي، ويسمح للحياة أن تظهر من خلال ذلك, لكن ألا يواجه كاتب السيرة هذا خطر ترك جزء من ذلك الطباق على بساط البحث، عندما يحدد عبارات ويلقي الضوء عليها لدراستها بقصد تقييم محتواها المتعلق بالفكر وبالسيرة الذاتية؟ لابد أن يكون الجواب بالإيجاب، ذلك أن على المرء أن يبقي القصائد الكاملة حاضرة ليعود إليها كمصادر، وقد يكون هذا مضجراً إن لم يكن من أجل متعة قراءة أودن في ضوء جديد.
ومع ذلك فإن السؤال الثاني الذي يطرحه أودن على نفسه عندما يواجه قصيدة جديدة بالنسبة له يبرر كل شيء: أي نوع من البشر يسكن هذه القصيدة؟ وما هو انطباعه عن الحياة الطيبة والمكان الطيب؟ وما هو انطباعه عن الحياة الشريرة؟ وما الذي يخفيه عن القارىء؟ هذه هي، بالضبط، الأسئلة التي يطرحها مندلسون بشأن القصائد، وكذلك بشأن أعمال أودن الإبداعية الأخرى.
هكذا تحدث الأشياء، يكتب أودن في (ذاكرة المدينة)، وهي قصيدة بعيد مندلسون تاريخها إلى يونيو/ حزيران 1949:
دائما وأبداً
تتساقط براعم البرقوق على الموتى
ويغطي هدير الشلال
صرخات من تلهب السياط ظهورهم
وآهات العشاق
ويخلق الضوء الشديد الاشراق
لحظة لا معنى لها في حقيقة أبدية
يختفي معها رسول ينادي في ممر ضيق:
واحد يستمتع بالمجد، وآخر يعاني من العار
ربما يتعين عليه، ويجب عليها,, ما من أحد يلام على ذلك .
وفي ما عدا ذلك، هذه ليست الطريقة التي تحدث بها الأشياء، وإنما الطريقة التي تعلمنا أن نراها فيها على يد الشعراء الملحميين، وكاميرا الأخبار, إن حزننا ليس إغريقيا يضيف أودن بما يعني أن قصة زمننا ليست ألماً ورثاء عاجزاً، رغم نبله، وليست رعباً متكرراً للشهرة أو العار أو الموت من دون معنى على أرض غير مكترثة:
وعندما ندفن موتانا
فنحن نعرف
أن هناك سبباً لما نتحمله
وربما يتعين علينا أن نضيف أن الاغريق القدامى عرفوا هذا أيضا، حتى وان كانت أسبابهم مختلفة.
إن الحجة الأخلاقية لسيرة أودن، حسب مندلسون، هو أن شخصا ما لابد أن يلام, والفرق بين إليوت وأودن، حسب مندلسون أيضا، هو أن إليوت كان يعتقد أن كوارث عصره كانت نتاج الفوضى اللا مجدية بينما كان أودن يميل إلى النظر إليها باعتبارها نتاج الشر الفعال المقصود , ولا تعني عبارة أن أحداً لابد أن يلام البحث عن كبش فداء، بل تعني قبول الاثم بدل التملص منه، وبالنسبة لأودن تعتبر حقيقة اللوم فرصة للتسامح.
ويصف مندلسون (أودن الأخير) ك تاريخ وتفسير لعمل أودن منذ الفترة التي انتقل فيها من انجلترا إلى الولايات المتحدة عام 1939م حتى وفاته عام 1973م .
وبهذا المعنى فإن الكتاب ليس سيرة حياة بالمعنى المألوف، رغم أنه يقدم غالباً وعلى نحو مفيد، تفاصيل سيرة حياة الشاعر, وربما أمكن القول انه سيرة لحياة أعماله الابداعية، تلقي ضوءاً على سيرة حياته الشخصية.
قال نابوكوف إن أفضل جزء في سيرة حياة كاتب هو قصة أسلوبه ، ولكن كتاب (أودن الأخير) هو ليس هكذا بالضبط, ويمكن القول إن مندلسون هو المنفذ الادبي لوصية أودن، ومحرره الذي لا يكل، وهو يعود إلى أعمال أودن قارئا محاضراته ورسائله وملاحظاته، فضلا عن القصائد والنصوص الأدبية الأخرى بعين ثاقبة وصبر طويل, ويبدو مندلسون أقل دفاعا عن الحداثة مما كان عليه في كتابه (أودن الأول) الذي أصدره عام 1989م وأكثر قناعة بأن مكانة أودن ليست بحاجة كبيرة إلى من يعتني بها, وتكمن أهمية توجه الكتاب في أن فكر أودن يتسم بأهمية كبيرة، وأن أودن ترك آثارا كثيرة، وكان تأثيره على الجيل اللاحق من الشعراء عميقاً، ويقارن بتأثير بيتس الذي كتب أودن عنه قصيدته المعروفة (في ذكرى بيتس) عام 1939م, كما أن أودن قدم، من خلال تحوله من القصائد التعليمية الساخرة في شبابه إلى أعماله الأخيرة الأكثر تعقيدا وغنى، الكثير من النماذج الشعرية التي كشفت عن أنه كان، بحق، فنانا في شكل ولغة الشعر.
وفي كتاب مندلسون الجديد نتعرف على جوانب مهمة من حياة أودن، والكثير عن قراءاته، وبعض من نشاطه السياسي حيث كرس في وقت ما الكثير من طاقاته لتغيير العالم سياسيا، وحيث تحول في أمريكا من اليسار إلى الوسط ثم عاد إلى اليسار مرة أخرى.
ويرى مندلسون أن نجاحات وامتيازات أودن أتعبته أكثر مما فعلت اخفاقاته ونواقصه، فهو لم يبال بالاتهامات التي وجهتها إليه الصحافة والبرلمان في بريطانيا في أعقاب رحيله إلى أمريكا، وهو الرحيل الذي كان سبباً في عدم انتشار أعماله في إنجلترا في تلك الفترة, لكن أودن لم يكن ليتفادى، بسهولة، تلك الجراح الداخلية العميقة التي سببتها له بعض امتيازات حياته.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved