نولع بالثنائيات المتضادة في مفردات ثقافتنا العامة، فلا نرى الا الابيض او الاسود دون شعور بما تحويه المسافة بين هذين اللونين من اشياء كثيرة متعددة تستحق التوقف ومن ثم الربط العام المفيد لتكوين ثقافة شاملة متضامنة من خلال شرائح متنوعة لا مختلفة متضامنة لا متناقضة، فكيف يتم ذلك؟
تلجأ الثقافات المعاصرة الناهضة والجادة الى استكناه سائر الجزئيات بما في ذلك الجانب اللا مفكّر فيها، وذلك لايجاد ارضية شاملة تحوي نباتات صغيرة قابلة للتضخم والتطور والتقدم بحسب ما تمليه الثقافة والبيئة كما هي الحال في فكرة (التناص) والتي سبر استاذنا الدكتور عبدالله الغذامي شيئا منها فيما يتصل بالشعر الفصيح، وأرى ان ذلك ينتقل حتى يصل الشعر الشعبي كما في قول الشاعر.
المستريح اللي من العقل خالي ما هو بلجّات الهواجيس غطّاس |
هذه الثقافة العامة الشائعة في متناول الغالبية هي التي أوحت بذلك، وهي التي كانت دافعة للمتنبي عندما قال:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم |
فلماذا يتبنّى المنافحون عن الفصحى والمدافعون عن الشعر العربي - كما يحبون ان ينعتوا - محاربة التجارب الشعبية؟!
وهل هناك ضدية بين المستويين الشعريين تستوجب هذا العويل والنواح؟!
ولماذا عاشت اللهجات في الجزيرة العربية هذا الزمن كله دون ان تلغي الفصحى، ودون ان تقضي عليها الفصحى؟!
ان هناك مستويات لغوية تناسب الموافق وما يصلح لمستوى قد لا يصلح لآخر، وهذا متوافر عند جميع الأمم واللغات مهما اختلفت كما تؤيد ذلك الدراسات في علم اللغة الحديث بدءا من (دي سوسير) وصولا الى الثورة التي احدثها الامريكي (نحّوم تشومسكي).
أحمد المطرودي