عزيزتي الجزيرة
في السنوات الخمس الأخيرة انتشرت ظاهرة (الاستراحات الشبابية) التي توسع أمرها وعظم شأنها وصارت من أبجديات العلاقة الترفيهية بين الشباب خاصة,, حيث يقوم مجموعة منهم قد تصل إلى ثمانية أو عشرة يشتركون في استئجار حوش في أطراف المدينة المقيمين بها، ومن ثم يقومون بتجهيز هذا الحوش كلا حسب إمكاناته ووضعه المادي.
وصارت (الاستراحة) هي المحطة اليومية والرئيسية لتجمع أكبر عدد من الشباب كل ليلة وخصوصا هذه الأيام حيث الإجازة الصيفية.
وأود هنا أن أشير إلى ان الاستراحات بمفهومها العام ليست ظاهرة سيئة إن هي كانت ملتقى مفيدا وناديا صغيرا للشباب فيما بينهم للاجتماع والاستفادة من الوقت الذي يقضونه فيها والجميع بالطبع يعرف تماما ما هو المفيد إلا أن هناك جانبا غير سوي اكتسبته الاستراحة وصارت سمعتها سيئة بين أوساط كبار السن والعائلات،فقد أصبحت الاستراحة وللأسف حقيقة ملتقى يومياً غير منقطع لكل ما هو غث وسمين من فئات الشباب العامل والعاطل معاً، بل قد أصبحت دورا للإيواء للعاطلين والمتسكعين والطفيليين في ظل وجود الدشوش والقنوات الفضائية التي تغتال الوقت بلا رحمة أو تردد, لقد كانت الاستراحة مقصورة منذ فترة ليست بالطويلة على الشباب فئة العزاب وكانوا يشكلون النسبة العظمى من روادها، ولكنها الآن استحوذت وبشكل منقطع النظير على اهتمام الشباب فئة المتزوجين أكثر,, وبالتالي اختلط الأمر والمفهوم الأسري على الجميع وأهدرت القيم الأسرية بين الزوج وبيته,, وصار أكبر همه متى يصل للاستراحة وكيف يتخلص هذه الليلة من زوجته وأولاده لكي يسرع لاستراحته، بل أن بعضهم قد يفرض على أهل بيته وزوجته تحديداً أن تقوم بتجهيز عشاء بعد كل فترة من الوقت لأصدقائه لقضاء وقت ممتع معهم,, وتجاهل كل ما يتعلق بأهل بيته وضرورة تخصيص وقت لهم كما يفعل في استراحته، وصارت الزوجة تشعر أن الحياة أصبحت صعبة فهي تعيش مع ما يشبه الضرة كل يوم وصار هناك نوع من التعامل غير العادل من الزوج بين أهل بيته واستراحته رغم الفارق الكبير في أهميتهما وهذا أمر ملموس وواقع مر لدى جميع الناس الآن,, والمسألة ليست عامة فهناك نسبة، وما دام هناك نسبة فهناك مشكلة، وبالتالي صارت العلاقات الأسرية محكومة بمدى انشغال الزوج بوقته الخاص مع أصدقاء الاستراحة وعليه فالأمر لا يقبل الجدال فوقت الاستراحة يومي وملزم ومحدد التوقيت ولا يقبل التأخير أما الالتزامات العائلية والأسرية فتأتي ثانيا دائما.
ولقد تبارى وتسابق أصحاب العقارات في بناء أراضيهم البائرة والتي قد لا ينفع معها البيع في ظل الركود السعري لها وأصبحوا يقيمون عليها الاستراحات وتجهيز مرفق خدمي وغرفة فقط بها بأقل تكلفة وبالتالي أصبح لديهم نافذة اقتصادية يكسبون من خلالها إيرادا مستحقا كل سنة في ظل استمرار تدفق الطلب والرغبة في استئجار المزيد منها كل يوم.
وقد يتغاضى أحيانا صاحب العقار عن السؤال عن ساكني عقاره، هل هم ذوو سيرة جيدة ملتزمون بأداء الصلوات المفروضة، ما نوع اجتماعهم اليومي المكثف، فقد يكون من بين هؤلاء من ساء ظنه وأدبه واستغل الاستراحة بما لا يرضي الله وجعلها مرتعا خصبا لكل ما يخالف تعاليم ديننا الحنيف، هذا أمر وارد، وقد تتوالى الشكوى على قاطني الاستراحات بسبب قربها من الأحياء السكنية فلقد امتد العمران إلى مواقع هذه الاستراحات وأصبح رب البيت والأسرة يرى السيارات الخاصة بزوار الاستراحة أحيانا بالقرب من بيته وعليه أن يبدأ مشوار النصيحة ثم الصياح وبعدها الخلاف ومن ثم القتال بالنعال مما يؤدي إلى أمور الجميع في غنى عنها.
إن من حق الشباب أن يلجأوا إلى مكان مريح يلتقون فيه ويقضون فيه وقتاً مرحا بعيداً عن زحمة العمل والارتباطات الأخرى,, ولكن هذا الأمر أصبح قاعدة لدى معظمهم وأصبح الاهمال الأسري يكتسي طابع حياتهم وبالتالي أصبح من المستحيل التوافق بين وقت الاستراحة ووقت العائلة المستحق ولابد من التنازل والتضحية، فليست الحياة هكذا، فالجميع له حقوق، والأسرة لها حق، ورب الأسرة له حق، والاصدقاء لهم حق، وبالتالي فالعدل في هذه المسألة أمر ضروري ولابد منه والموازنة والتوسط في الأمور هو الخير كله.
يقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فالرعاية ليست مقصورة على توفير المأكل والمشرب والملبس بقدر ما هي توفير الرعاية الاشرافية والتربية السليمة للأسرة وأفرادها ومتابعة حياتهم وتلبية مطالبهم المستحقة لهم صغيرة كانت أم كبيرة، وتعويد أفراد الأسرة جميعا على التزاور وصلة الرحم، فكم من عائلة تذهب للأقرباء وعندما يسألون عن رب العائلة يأتي الجواب سريعا وبلا تفكير (في الاستراحة)، وعندما يحين موعد عودة الأسرة للبيت تجد الرجل يماطل ويتهادى في النهوض من مجلس أصدقائه وهو يتأفف، فقد قطعوا عليه جلسته وأنسه، وأولاده هناك يصرخون والبعض يغط في النوم في بيوت الغير حتى ساعة متأخرة من الليل مما يضفي على البيت وأهله الضيق والملل وعلى أهله وأولاده الحرج الشديد جراء تأخره وأين؟ في الاستراحة!!!!
قد اكون مقصراً في تغطية الجوانب المتعددة في هذه الظاهرة حيث يوجد الكثير الكثير مما لم أتطرق إليه، وقد تطغى السلبيات على الإيجابيات في هذه الظاهرة والعكس صحيح لذا علينا جميعا شيبا وشبابا، أبا وأشقاء أن نقف عند هذا الحد ونفكر مليا ونسأل ماذا استفدنا من أوقاتنا، وكيف استفدنا، وأين استفدنا، هذا هو المهم والأحرى بنا أن نجعله المهم في حياتنا,, نسأل الله لنا وللجميع التوفيق والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله.
فهد بن صالح الجطيلي
بريدة