Friday 6th August, 1999 G No. 9808جريدة الجزيرة الجمعة 24 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9808


رياض الفكر
الاختلاف,, حقيقة علينا فهمها!!
سلمان بن محمد العُمري

المثل الدارج اصابع يدك ليست مثل بعضها نسمعه كثيرا حينما نجد اختلافا بين شخصين بينهما تطابق في طبيعة العمل او درجة القرابة، وهو مثل صحيح بالمعنى والمدلول، فالناس مختلفون ولا يوجد اثنان متشابهان مائة بالمائة ولو كانا توأمين، والاختلاف كذلك موجود على مستوى الأمم والشعوب حيث ان كل تجمع بشري، له تقاليده وعاداته التي تميزه عن غيره.
لقد خلق الله الناس، وجعلهم بصفات وطبائع مختلفة تحددها مورثاتهم، وتبدأ هذه المورثات مع الإنسان منذ صغره في التشبه بأمه وأبيه واكتساب العادات منهما، كذلك تتدخل البيئة بمفهومها الشامل، لتعدل وتحوّر تلك الصفات حتى تظهر بشكل معين هو ما نرى عليه الإنسان في شخصيته التي تميزه، وتجعله مختلفا عن غيره.
ويؤكد علماء النفس أن أمر الاختلاف يتعلق بالجسد والنفس معا، مما يجعل احتمالات الاختلاف غير محدودة، ونتيجة لذلك فأنا أفكر بصورة غير التي تفكر بها أنت، وأعمل بطريقة قد تعجبك او لا تعجبك، وحتى حينما تشبه تصرفات المرء بعض أقاربه او أصدقائه، فانه يختلف عنهم بأعمال وسلوكيات اخرى كثيرة، والمحصلة النهائية لمجموع هذه الاختلافات هي تلك اللوحة البديعة التي ترتسم على سطح الكرة الأرضية ومكوناتها عبارة عن بشر مختلفين.
وأمر الاختلاف ليس مطلقا، فعلى الرغم من أنه يبدو لكل إنسان انه يستطيع ان يفعل ما يحلو له إلا ان هناك قوانين واعرافا تتحكم في تلك اللوحة بنسب معينة بحيث تحقق انسجاما معينا بين مجموعة من الناس من أجل تحقيق هدف واحد، وهذا ما يحدث عادة بين أبناء البلد الواحد او الأمة الواحدة حينما يسعون لرقي بلدهم وسعادة أمتهم.
وحتى ضمن المؤسسة الواحدة نجد الأفراد المختلفين يقومون بأعمال تؤدي في النهاية لتطور المؤسسة ككل والوصول بها الى الهدف المنشود، إنه اختلاف في الأسلوب والتطبيق، ولكن الاطار والهدف واحد، فالبيت مثلا يتكون بنيانه من أشياء مختلفة بحقيقتها، ولكنها في المحصلة يكمل بعضها بعضا، لنعطي في النهاية بيتا متناسقا جميلا.
وما دام الاختلاف صفة طبيعية وغريزة فيزيولوجية عند البشر، فلا يجب ان نتضايق او نتأفف مما نراه من أمور قد لا تروق لنا، قبل ان نتأكد أولا من أن كل تلك الأمور لا تنسجم مع قاعدة عامة عريضة لاخلاف عليها، وحتى يكون حكمنا دقيقا وعادلا على مثل تلك الأمور، لابد لنا ان نخضعها للتحليل والتقدير خاصة فيما يتعلق بشرعية هذا الأمر، ومدى التزامه بالحدود التي شرعها الله وما يعود به من فائدة على الناس والمجتمع ككل، وعندما نتأكد من الانحراف عن ذلك لا سمح الله يجوز لنا في هذه الحالة ان نطلق على الذي انحرف صفة اخرى نرجو الله ان يبعدنا عنها.
ومن هذا المنطلق فإن علينا ان نتلقى أمر الاختلاف برحابة صدر، كما يجب ان نتعامل مع غيرنا بسعة أفق حتى نكون نحن الرابحين في النهاية، فلكل إنسان معارف ومدارك معينة، وبالاختلاف نستطيع ادراك الكثير من العلوم والمنافع، ولكن إياك ان تستغل الاختلاف لمصلحة شخصية، لأنك بهذا تركب تيار الانتهازية وهي شر يجب البعد عنه.
قد يكون الإنسان فردا عاديا، وقد يكون رجلا مسؤولا، إلا ان لكل منهما دورا في التعامل مع القضية من موقعه، وكلما كان التعامل وديا وصافيا وبشفافية كانت النتائج باهرة، وليس مهما ان تجعل الناس كلهم يعملون مثلما تريد، او تجعلهم مثلك، لأن هذا مستحيل وغير وارد، ولكن المهم ان تتحقق السعادة في النهاية للجميع بالوصول الى الهدف المنشود سواء في الدنيا او الآخرة مهما كان حجم الاختلاف (فلا يهم هنا إن كنت أنا أحب التين، وهو يحب الخوخ).
قضية الاختلاف مهمة للغاية في الأسرة، وعلى الزوجين ادراك ان الاختلاف لا يفسد للود قضية، وأن الفهم الصحيح لمعنى الاختلاف وأهميته، سوف يؤدي الى حوار هادىء يساعد على اتخاذ القرار الصائب الذي يزيد من روابط العلاقات الزوجية، وعندها ينعم الزوجان بالسعادة، ويرفلان بثياب الهناء، اما العكس فإنه يؤدي لما لا تحمد عقباه.
ولا عجب أيضا في أن يكون اطفال البيت الواحد مختلفين، ولكن المهم هو معرفة وتفهم ذلك، والتعامل معهم من هذا المنطق، دون تحيز او تمييز لواحد على حساب الآخر، وإنما بالعدل المطلق قدر المستطاع، وهو المطلوب دينيا وإنسانيا حتى تتحقق الغاية الكبرى في مجتمع آمن يعمل فيه الجميع على اختلافهم من أجل تقدمه ورفعته.
الاختلاف حقيقة وفهمه الصحيح واجب وطني نبلغ معه قمة الحضارة بمعناها الكامل والله من وراء المقصد.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved