أصبحت مهرجانات التسوق وسيلة من وسائل الجذب السياحي في بعض مدن المملكة حتى وان كانت بعض هذه المدن لاتملك الحد الأدنى اللازم توافره لنجاح هذه المهرجانات, والسؤال الهام هنا، هل هذه المهرجانات وسيلة سليمة ومقبولة من الناحية الاقتصادية؟ في رأيي أن الاجابة على هذا السؤال هي لا, والسبب ان هذه المهرجانات تؤدي الى زيادة الانفاق واستنزاف المدخرات الوطنية على سلع معظمها مستورد من الخارج فنكون بذلك قد وقعنا فيما حاولنا الفرار منه عندما ننادي بالسياحة المحلية وبأنها توفر للاقتصاد الوطني ملايين الريالات, ففي حالة مهرجانات التسوق ستخرج ملايين الريالات الى الخارج ثمناً لما يشترى من سلع مستوردة وهي نفس محصلة السياحة الخارجية تقريباً.
ان مهرجانات التسوق يمكن ان تكون مفيدة للاقتصاد المحلي متى ماوجهت نحو تسويق الانتاج المحلي وهي أكثر فائدة عندما يكون جزء كبير من السياح من خارج البلاد لكنها بصورتها الحالية وان كانت مفيدة لبعض الشركات والمؤسسات المحلية إلا أن الفائدة الكبرى هي للمنتج والمصدر الأجنبيين ولا يستفيد منها الاقتصاد المحلي بل ربما يتضرر منها, لذا يصبح لزاماً ان تتعامل الجهات الرسمية المشرفة على اقامة هذه المهرجانات معها بحذر ووفق ضوابط واجراءات تعمل على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة للاقتصاد المحلي وعلى تقليل الآثار السلبية, كما أن قدراً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق المستهلك والذي يفترض ان لاينخدع بسهولة وينساق وراء الدعايات والاغراءات التي هي أقرب للسراب منها للحقيقة فهذه المهرجانات لم توجد في الأساس إلا لخدمة التاجر وليس كما يصور انها لخدمة المستهلك.
ما نحن بحاجة إليه في الوقت الحاضر هو الادخار والاستثمار واللذان سيوفران للمجتمع مايحتاجه من وحدات انتاجية تقوم بتشغيل الطاقات الانتاجية العاطلة وتوفر عن طريق الانتاج المحلي الكثير من السلع والخدمات, ولو نظرنا الى التاريخ الاقتصادي للدول المتقدمة صناعياً لوجدنا أنها في بدايات نهضتها الصناعية ركزت على الادخار والاستثمار كأهم مقومات النهضة, ومما يلفت الانتباه الى أن نسبة الاستهلاك الى الدخل في المملكة تماثل ماهو موجود في الدول المتقدمة صناعياً في حين أن متوسط أعمار السكان في المملكة أقل بكثير مما هو عليه في تلك الدول, وكان من المفترض ان تكون معدلات الادخار في المملكة أعلى ليتمكن الجيل الحالي من بناء قاعدة اقتصادية متينة يرتكز عليها الجيل القادم ويتمكن من التمتع بمستوى معيشة جيد.
ويقودنا هذا الموضوع الى الحديث عن ضرورة ايجاد منتجات ادخارية واستثمارية قادرة على تشجيع الناس على الادخار واجتذاب مالديهم من مدخرات لتشغيلها واستثمارها، ويكون من المفيد جداً وجود عمل دعائي وتعريفي بهذه المنتجات على غرار ماهو موجود بالنسبة للمنتجات الاستهلاكية.
والغريب في الأمر اننا لانجد الدعاية الكافية للمنتجات الادخارية والاستثمارية القادرة على الوصول الى الأفراد على اختلاف مستوياتهم التعليمية والعمرية في حين اننا نجد التنوع والتنافس في هذا الجانب بالنسبة للسلع الاستهلاكية مع العلم بان كلا النوعين من المنتجات مربح بالنسبة لموفريها.
وبشكل عام تنبغي ملاحظة حقيقة هامة هي ان القطاعات الاقتصادية متداخلة ومتشابكة وبينها قدر كبير من التأثير المتبادل فما يحدث في قطاع يؤثر سلباً أو ايجاباً على قطاعات أخرى, ولذا فإنه عند ارادة اتخاذ سياسة او قرار ما في قطاع معين فيفترض ان نأخذ في الاعتبار الآثار الايجابية والسلبية لهذه السياسة أو القرار على بقية القطاعات وعلى الاقتصاد ككل.
* قسم الاقتصاد الإسلامي - جامعة الإمام محمد بن سعود