Monday 19th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 6 ربيع الثاني


من الاثنين إلى الاثنين

تعمل مدرسة وتقوم بأكثر من عمل,, صديقة حميمة لكل معلمات المدرسة والطالبات على حد سواء,, مقبلة على الحياة يخيل لمن يراها أنها لا تجيد البكاء ففي مرحها اللافت ما يؤكد ذلك,, تدخل أحيانا إحدى زميلاتها إلى المدرسة وكأن الدنيا فوق رأسها متورمة العينين من السهر والبكاء فتقبل عليها بخفة دم لا تعرف الغروب فتتحول بقدرة قادر تلك الدموع الساخنة إلى واحات من البهجة والسرور,, محبوبة,, متعاونة,, خيرة,, ويشهد لها الجميع بمبادراتها التي لا تنقطع في مؤازرة معلمة تمر بظروف صعبة أو طالبة,, وحتى حارس المدرسة ذي العشرة أطفال والعاجز دائما عن القيام بملاحقة متطلبات أسرته الكبيرة إذ تقوم بجمع مبلغ من المال من زميلاتها لتشتري بنفسها كسوة لأولاده أو بعض المواد الغذائية اللازمة.
تلك الشعلة من النشاط والحيوية والمرح تحولت في يوم وليلة إلى شبه إنسان,, إذ بدأت بالابتعاد عن مجتمع المدرسة شيئا فشيئا حتى انعزلت تماما,, حاولت مديرة ومعلمات المدرسة سؤالها عن هذا التبدل وفي كل مرة تسكت الجميع بالرجاء الحار أن يتركوها بمفردها إذ لا ترد سوى بكلمة واحدة,, الله كريم .
عانيت تكذيبٍ,, وعايشت تصديق
وارضيت تشكيكٍ وسامحت من لام
وما أن تفرغ من حصتها حتى تلوذ بصمتها ممسكة بكتاب كنوع من التظاهر بالقراءة كستار يحميها من أسئلة الزميلات اللواتي يحاولن اقتحام وحدتها,.
ساءت حالتها مع زوجها الذي لم يجد ما يبرر وجومها وصمتها والحيرة تعبث في عقله,.
إذ بدأ يفكر ويبحث بينه وبين نفسه عن سبب يدعوها لذلك,, حتى اتهم نفسه بأنه ربما كان السبب في ذلك دون أن يعلم ولكنه باء بالفشل,, وهي معتصمة بقلعة صمتها وعزلتها.
وأجد احبابي,, ولكن الوكاد
انت غير,, وباقي الغالين غير
دخل زوجها مرة وهي تتحدث بالتليفون وما أن رأته حتى اقفلت الخط بسرعة, لم يشأ أن يسألها فقد يجرح احساسها,,
كثرت زياراتها لأهلها على غير عادتها,, وامتدت في بعض الأحيان إلى المبيت بعد إذنه طبعا وعندما تعود يتمنى أن يراها على حال أحسن ولكنها لا تتغير,, هي لم تقصر في أي من واجباتها تجاهه,.
تكررت حالات محادثاتها الهاتفية الغريبة,, فقد يصحو ليلا ويجدها تتكلم,, بدأ يقلق,, خصوصا أنه عندما يطرح عليها السؤال عن تلك المكالمات,, تنظر إليه بعين ملؤها العتب وتنهمر دموعها سخية.
خل المقادير تمشي مشيها العادي
في عمرنا يفعل الله ما نوى فينا
قال لها مرة: إذا احببت الإقامة عند أهلك حتى تتحسن حالتك فلا مانع لدي وكعادتها لا تجيب إلا بكلمتها الطيبة الله كريم وسيل من الدموع يتسابق إلى خديها مع كلمتها الوحيدة.
ماتت الرغبة على مر الزماني
ما بقى كود التمني في يدينا
تحدث مرة مع والدتها عما تمر به فكانت سلبية على غير ما تعوده منها فلم يصل إلى نتيجة,, واحس بما يشبه الشك ولكنه سارع بطرد وساوسه,, عرض حالة زوجته على أحد المقربين فأشار عليه بعرضها على طبيب نفساني,, ولكنها أبت بل صرخت في وجهه قائلة إنها غير مريضة,, فوقعت الكارثة إذ ذهب بها في أحد الأيام إلى أهلها وسافر,, لتأتيها ورقة الطلاق بعد سفره بأيام,, مما زاد من ألمها ألماً,, ومصيبتها مصيبة,, ولكنها لم تلمه.
عمري بلا قربك,, شوفتك ما ابيه
من دونك الدنيا,, ملل يا ضنيني
وكلما نظرت إلى الورقة التي أفرغت ما بقي لديها من الصبر تراءت لها تلك الحياة الرائعة التي عاشتها مع ذلك الزوج الرائع,, الطيب.
وتقول مناجية,, لو علمت حبيبي ما السبب لعذرتني,, ولكنني لم استطع مكاشفتك فأهون علي كل ما حصل لي من أن أخبرك عما في نفسي
لا يصيبك شك مني في غلاك
يا مغلي عيشة أيام العمر
لو يشوفك من عذلني في هواك
مثل ما أشوفك عذرني واعتذر
ويعود الزوج من سفره وهو في حيرة من أمره وندم على ما فعل لا يعادله ندم,, يدور في البيت ويحس بكآبة الغرف الخالية منها,, يكاد ينادي علها تجيب فقد تكون في مكان ما من البيت.
إلى متى ناوي فؤادي تعنيه
تحرم عيوني منك يا شوق عيني
وفي إحدى حالات خلوته وضيقه ينطلق صوت النداء, ,البيجر يتناوله بعدم اهتمام ويلقي نظرة غير مبالية ويفاجأ برقم منزل أهلها,, يتردد هل يتصل,, ويعود الصوت مرة أخرى,, وعندها يتناول الهاتف ويتصل وإذا بها ترد,, لتخبره عما حصل لها قائلة:
بعد عودة والدي من الخارج حيث كان يجري عملية جراحية هناك اكتشف أنه مصاب بالأيدز بعد عملية نقل دم ملوث أثناء العملية لينزل الخبر على رأسي كالصاعقة ولم استطع أن أقول لك أو لغيرك عن مثل هذا الأمر,, أما الآن وقد تأكد لنا أن المسألة مجرد اشتباه حسم من قبل أحد المستشفيات أنه لا وجود لهذا المرض في جسمه,, وأنت الآن بالخيار,, فإن رأيت أن تردني إلى عصمتك فهذا ما أريد وإن أبيت فهذا من حقك,, ولكنني أحببت ألا تظلمني بظنك.
ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا وهي في بيتها مع زوجها يعدان لوليمة كبيرة,, وقد اشرقت شمس حبها العظيم في ليل قدم استقالته من الظلام.
* الأبيات للراحل سعود بن بندر رحمه الله.
علي المفضي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved