Sunday 18th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 5 ربيع الثاني


تحول إلى أسطورة في الحياة والشعر
بايرون,, تراجيديا الإنسان وإبداع الفنان
رضا الظاهر

منذ تلك السيرة التي كتبها الروائي الاسكتلندي جون غالت عام 1928 عن اللورد بايرون ظلت حياة الشاعر الانجليزي جذابة بالنسبة للنقاد وكتاب السيرة فضلا عن القراء، وظهر الكثير من الكتب عن حياته وابداعه الشعري، بحيث انه قد يصعب تبرير صدور سيرة حياة جديدة للشاعر, وقد كتب الناقد آرثر سايمونز ذات مرة يقول ان بايرون يعيش من اجلنا بحيوية لا يمكن مقارنتها، ذلك انه انسان اولا: وشاعر بعد ذلك ويبدو ان الامور ما تزال على حالها، وان الكتب الصادرة عنه ما تزال تتواصل.
وقد ركز بعض السير على حياة بايرون التي اعتبرت اساس شعره، فأثر ذلك على معرفتنا به كفنان, ومن خلال تلك السير بدت اعماله الابداعية اقل اقناعا لنا من تفاصيل حياته الشخصية وتراجيديا موته المبكر في وقت كان في ذروة نضجه كفنان.
اما الصورة التي انعكست في سير لاحقة فقد تغيرت خلال نصف القرن الماضي، بحيث اصبحنا اكثر معرفة ببايرون كفنان, غير انه ما يزال هناك الكثير ممن يعتقدون ان نغمة بايرون الحقيقية تتجلى في عمله المعروف (دون جوان) مع ان هناك قصائد اخرى كثيرة تتمتع بأهمية كبيرة في معرفة الشاعر، وهو ما القى الضوء عليه عدد من النقاد وكتاب السيرة بطريقة ادت الى اعادة تقييم بايرون نفسه، اذ بدأت تسحرنا تلك الشخصية التي تظهر، مثلا، عبر الرسائل واليوميات.
وفي كتابها الصادر مؤخرا تحت عنوان (بايرون: طفل الرغبة، احمق الشهرة) تتحدث بنيتا ايزلر عن شهرة باليرون فتلاحظ ان هناك 750 عملا موسيقيا الفت اعتمادا على اشعاره، بينها اعمال لتشايكوفسكي وشومان.
كان جورج غوردون، او اللورد بايرون، وهو الاسم الذي اشتهر به، المولود في انجلترا عام 1788 نجم الشعر:
,, الكلمات اشياء ، وقطرة من الحبر
تسقط مثل الندى على فكرة
فتخلق ما يجعل الألوف وربما الملايين
يفكرون انه لأمر غريب
فالحرف الاقصر الذي يستعمله الانسان
بدلا من الكلام، قد يشكل آصرة دائمة للعصور
شدائد الزمن القديم تقلل من شأن الانسان الضعيف
عندما يبقيه الورق، حتى ورقة بالية مثل هذه
ويبقي قبره، وكل ما يعود اليه .
ان اكثر مؤرخي بايرون حيوية هو، دائما، بايرون نفسه، غير ان هذا المتمرد الارستقراطي الرومانيتكي لم يعرض على نحو مقنع او بمثل التفصيل الذي نجده في السيرة التي كتبتها ايزلر ورغم ان هذه السيرة لا تضيف الكثير مما هو جديد الى الحقائق المعروفة عن حياة الشاعر، فان مزية الكتاب الرئيسية تكمن في السمة الانتقادية والتقييم المنصف والعادل سواء تحدثت المؤلفة عن بايرون نفسه، او عن امه ، او عن شقيقته اوغستا، التي احتلت مكانة مهمة وملتبسة في حياته، او عن الليدي بايرون.
ففي هذه السيرة تجري معالجة متعاطفة للقصة المعروفة عن سنوات حياة بايرون الاولى ورحلاته، لكن عودته الى انجلترا، وصداقته مع الليدي ميلبورن، وعلاقته بأوغستا، وزواجه، هي التي تشكل اساس هذه السيرة الجديدة, فلو ان بايرون كان قد شرع قصدا في البحث لنفسه عن زوجة تجسد اخلاقية القرن الجديد، لما كان قد فعل افضل من التقدم لطلب يد انابيلا ميلبانك, ومن الصعب على اي كاتب سيرة ان يفسر كيف ان الاثنين كانا قد فكرا أنهما يناسبان بعضهما، لكن عواقب غلطتهما تتكشف ، هنا، عن حتمية التراجيديا، المعركة بين المجتمع والارستقراطي المتمرد.
لقد ذهب بايرون، في عمر الثامنة والعشرين، الى المنفى الاختياري، فارتحل عبر المانيا وسويسرا قبل ان يستقر في شمال ايطاليا التي احبها، وكانت بالنسبة له مكانا مبهجا كما كتب في قصيدته الشهيرة (بيبو) التي نشرت عام 1818، وجسدت نضوج اسلوبه الشعري، واذا ما قرأها المرء فانه يشعر الى حد كبير، بانه يسمع انسانا يتحدث دون كلفة، ولكننا نجد، خلف تلك الاحاديث غير المتكلفة، احاسيس لاذعة، فقد كان بايرون ليبراليا سياسيا، وجمهوريا ذا عين حادة تسخر من الرياء.
واذا كان انهيار زواج بايرون قد ساهم في تدميره، الى حد كبير، فان رحيله عن انجلترا الى المنفى ساهم الى حد كبير في خلقه كشاعر.
ان صداقته مع شيلي، صيف 1816 والاوضاع السياسية في ايطاليا، تحتل مكانتها في كتاب ايزلر، غير ان ما هو اكثر اهمية هو ان الشاعر يحتل للمرة الاولى، مكانة اساسية ففي الفصول الاولى من كتابها تستخدم المؤلفة الشعر نوعا من البحث في السيرة، ولكن ما ان يصل الامر الى (دون جوان) و(بيبو) حتى تتجلى قدرات ايزلر ناقدة ادبية بارعة.
لم يكن لبايرون ان يصل عمر الاربعين, فمن دون رفيقه شيلي يبدو انه كان يمضي ايامه بضجر وقلق في ايطاليا, وقرر عام 1832 ان يدعم اليونانيين في حرب استقلالهم ضد الاتراك، فوصل الى اليونان حاملا المال والتجهيزات لهم ولكنه توفي بسبب الحمى قبل ان تبدأ المعركة، فتحول الى بطل شعبي في اليونان.
وخلال القرن التاسع عشر كان اسم بايرون في اوروبا مرادفا للرومانسية التي بدأت تنتشر الى انحاء العالم الاخرى.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved