شاعرنا هذا الأسبوع هو فهيد بن عبد الله بن فهيد المجماج من بني تميم من سكان بلدة الأثلة في عالية نجد القريبة من نفي والتابعة لمحافظة الدوادمي عاش شاعرنا فقيراً كادحا يعمل في الزراعة وذلك في الفترة التي عاش فيها الشاعر الوجداني عبد الله بن سبيل في نفي ونظراً لقرب البلدتين من بعضهما ولما بين الشاعرين من صلة القرابة والنسب ولنشأتهما في حقبة زمنية واحدة وبيئة اجتماعية متشابهة فإن شعرهما جاء متشابهاً يصور فترة تاريخية من حياة القبائل البدوية والأسر الحضرية وقد نسب بعض الرواة احدى قصائد المجماج للشاعر عبد الله بن سبيل لشهرة ابن سبيل ومكانته الاجتماعية والتي منها هذا البيت:
حبه يخج القلب ما يوجع أوجاع لا شك قلبي مودعه بيت نمله |
والصحيح انها لفهيد المجماج.
وقد فقد كثير من شعره بفقد رواته كغيره من شعراء عصره كما فقد الكثير من شعر ابن سبيل.
كانت حياته كما اسلفنا في مشقة وقلة ذات اليد وكان يعمل في الزراعة أجيراً يقول من احدى قصائده:
الله من الفقر الأمسّ يا لله ان ترفعه يا ربي إن ترفعه عنا يريح الغنات يالله هبوب تذعذع بس لو ذعذعه ما هوب قصدي تجارة مير نبي السمات |
كان فهيد جالساً في السوق ذات يوم فمر عليه طفل اسمه ناصر وكان الطفل يبكي فقال له ما يبكيك يا نويصر فقال اني جائع فأجابه شارحا له بأنه يعاني مثله:
يا نويصر طالت الهجرة علينا ذا لنا عامين والوادي سناوي والتجار وجيههم قامت تشينا كن واحدهم عن النفر امتداوي |
ومن يتأمل شعره يجد انه قوي العبارة طبيعي صادق بدون تكلف جيد المستوى دقيق التعبير يصور بيئته تصويراً بديعاً.
كان شعرنا مولعاً بابنة عمته وذات ليلة رآها وهي آتية من نخيل ابيها ماشية الى البلدة وكان معها امرأتان من أسرتها فأصاب قدمها عود فأهوت لتنزعه من قدمها فوقفت رفيقتاها الى جانبها حتى تنزع العود وكانت الليلة مقمرة فقال:
يا راكب اللي ما لحنه ظلافه ولا داره الجمّال يدني العلف له ما مون توه يصطفق في عسافه لو طال طيول المدى زاد جفله يا دار يا دار العنا والتلافه وين الغضي ويش أمره اللي صدف له تقول أخيله يوم عقب سنافه واليوم ما درى وين دربٍ ذلف له يا دار يا ما جيت لك بانصرافه نوب على عينه ونوب بغفله يا دار ياللي مثل بو وقافه تبهل عليه الطايلة وتعطف له البارحة شفت الحبيب خطافه خبرك بشوف الليل ما ينصرف له وبوي ما زين وقفته بانحرافه والكل منهن يوم دنق وقف له |
كان فهيد يؤمل في الزواج من محبوبته لما بينه وبينها من القرابة فهي بنت عمته غير أن أباها زوجها من ابن اخيه الذي نشأ يتيماً فكفله وتربى تحت رعايته فلما كانت ليلة زفافها على ابن عمها جزع فهيد جزعاً شديداً وأتى عمته وشكا اليها ما يعانيه وبكى فقالت له عمته يا ولدي لا تبك فالنساء كثيرات وفيهن مثل حسن وفيهن اجمل منها فزاده ذلك حسرة وألماً فقال
يا ونتي ونة ضعيف الى هين واجرحي اللي كل ما له يكودي والناس فكروا بي ولا همب دارين وان سايلوني قلت ذا لون عودي انا اطلب الله يا هلي قولوا آمين عسى العجايز في جحيم الوقودي ان يقولن للحبيب حليبين وكل العذارى من عشيرك وزودي لا تاهمون بزينكم يا مساكين والله ما للزين معكم مقودي والله مانتم للحبيب ملادين لا بالجمال ولا بحسن الوقودي يا زين من بين العواتق نظيمين فارقهن اللولو بحلقه عقودي عليه من صيغة بريدة مثامين تسعين ما ني كاذب في عدودي أوي خل بس لولاه جافين ولولاه يمنحني بكثر الصدودي عز الله انه من عربنا الموالين لا شك عداني صليب الجدودي |
هذا وقد اشتد حزنه على ابنة عمته وزاد ولعه بها وكثر بكاؤه فقال
يا جر قلبي جر دلو الى ميل ذولا يجرونه وهذاك يلقاه ابكي بكا ورع بشهر الزهاميل على عشير فاتني وآعلى آه عليه محال الضماير زلازيل تجوض من فقده ومن شد فرقاه والقلب من ممشاه غاد جواديل من كثر ما والله يدوشه ويا طاه يا مغزلٍ مرباه روس الغراميل ما ذره القناص يوم بمرباه يا زين عنقه بين هاك العثاكيل وعواتق كن القراطيس حلياه وخدود يوضن كنهن القناديل والزين كله ناقع بين حجاه |
وكان الملابسة من الدعاجين من قبيلة عتيبة يقطنون الأثلة خلال فترة الصيف وكان رئيسهم مرزوق الهيضل وابن اخيه مناحي الهيضل وكان مناحي شاعراً وفارساً وسخياً كريماً وعندما انتهت فترة المقطان وعزموا على الرحيل ورأى أهل الأثلة ان الجمال قد ردت والبيوت قد طويت أتوا الى منزل رئيسهم ليودعوهم فقال مناحي لجماعته ان اهل الأثلة سيأتون الليلة لوداعنا فعلى كل من اراد الحضور ان يأتي بقصيدة او قصة طريفة ممتعة فلما اجتمعوا كل واحد اتى بقصيدة او سالفة وكان فهيد مع من حضر وهو جالس بجانب خاله عميرين فقال انت يا فهيد تقوم مقامي فلما اتى دور فهيد قال انا اقوم بدوري
ودور خالي عميرين وقال:
لا والله الا صملوا يا عميرين وشالوا على بيض الغوارب زهابه البارحة فوق الركايا مقيمين ونيرانهم كن البروق اشتبابه واليوم ما غير الرخم والمعاطين ومنازل ما كن حي وطابه طريقهم ياطا الثمد منه ويمين وغدا لهم دون الاسيمر ضبابه يتلون ابو خالد زبون المتلين لا جالهن عند الحيق الخطا به اوي جيران على الكبد حلوين مثل الحليب اللي لذيذ شرابه لا والله الا جو وراحوا على زين ولا عذبوا جيرانهم بالطلابه |
وقال ايضاً في رحيل الملابسه من الدعاجين وهو يذكر انه تولع باحدى الجميلات حباً شريفاً لا يعيب وهذه عوائد الأولين لثقتهم في بعضهم ونظافة قلوبهم وحسن نواياهم:
لا والله الا شدوا البدو نجاع كل هدم مبناه وارتد زمله شد الشديد وقربوا كل مطواع وراعي المودة فرق البين شمله شدوا ودنوا للحني كل مطواع كل اشقح ما حسن قرينه ورمله غدا لهم دون الرفيعة تمزاع كل بغى درب عزل وانقسم له اقفوا كما نونثر ماه وانزاع برقه يرفرف والسدى يرتدم له وابكرتاه اللي عذت بين لا قطاع وابعد دورتها على اللي جهم له |
الى ان يقول:
يا غصن موز ناعم له ثمر ياع ومنين ما هب الهوى مال حمله راعي هدب عين مضاليل ووساع خرس عيونه والمحاجير جمله عليه ما وقفت عيوني با لا دماع وهجس ان يلحقني على الطول سمله اعوي عوى ذيب ورى البدو نجاع يقنب ايلين الله يجيب اللحم له يا من لقلب من هوى زيد ينصاع كما يصوع الصيد رامٍ خطم له حبه يخج القلب ما يوجع أوجاع لا شك قلبي مودعه بيت نمله |
وقال ايضا في رحيل جيرانه الدعاجين ويصف رحيلهم بقصيدة جميلة تذكرنا بقصائد عبد الله بن سبيل وتؤكد لنا انهما عاشا بنفس البيئة ونفس المجتمع وعانيا نفس المعاناة من رحيل البدو بعد المقطان حيث يقول ابن سبيل
لا والله الا صار للبدو نوناه وثور عسام الجومما عفت به والبيت هدن الخدم زين مبناه طون دراه وقينة الزمل جت به وشالوا على اللي بالمبارك مثناه ما حط فوق ظهورها زوعت به |
بينما يقول فهيد المجماج بنفس الموقف:
يا من لقلب من شديد العرب جاض كما يجوض الى اونس الكي ممروض لا والله الا صار للبدو نضناض دونك حجير مغيزل العين مقضوض طمنت راسي للمنازل ولا راض ولا شفت بيت بايسر البدع منهوض يا من يبشرني عسى شيخهم راض وين انت ياللي لك مع البدو ملحوض طووا ورووا واتنووا عقب مقياظ ولا نيب راجيهم الى جرة الحوض يوم استقلوا والمظاهير قفاض غدالهم دون المشاريف عاروض يبون براق على دارهم ناض مختلطة به عشية الصيف وحموض الدمع من عيني على محجري فاض فيضة شعيب فايض له على روض الى استعز القلب واعنس بالاعراض تعرضه من طاري البدو عاروض |
وقبل ان نختتم رحلتنا مع شاعرنا هذا الاسبوع نقدم لكم احدى قصائده حيث يقول:
يا شن بصندوق الحشا لو يفيضي لو هو على حيد من الضلع جضا على الذي ما هوب عندي بغيضي لعلها له عقب ضيق تفضا خده قمر خمسة عشر من مغيض وكن الزواهر في جبينه تلظا والله يا من حاشه انه حضيضي ومن حصله فانه على ساس خطا |
هذا هو شاعرنا فهيد المجماج رحمه الله اتمنى ان اكون قد وفقت باستعراض حياته الشعرية والى اللقاء مع شاعر آخر والسلام.
المراجع
* من اعلام الأدب لشعبي للاستاذ سعد بن جنيدل
* احفاد الشاعر فهيد المجماج.