* القاهرة - الدراسات والأبحاث - أ, ش, أ
حرصت الدول الأفريقية على عقد قمتها السنوية في موعدها المعتاد منذ عام 1964م وبهذا ستشهد الجزائر خلال الفترة من 12 إلى 14 يوليو الحالي المؤتمر الخامس والثلاثين للقمة الأفريقية,, وتعقد هذه القمة في مرحلة انتقالية هامة للغاية بالنسبة لأفريقيا بين قرن يمضي وقرن قادم.
ولعل هذا الحرص الأفريقي على عقد القمة بصورة منتظمة يعكس حدا أدنى من الإرادة السياسية الأفريقية تنبىء بدورها بتمسك الأفارقة بمنظمتهم واستمرارية كيان هذه المنظمة,, كما أن انعقاد مؤتمر القمة يأتي استجابة لظاهرة معروفة في عالم اليوم وهي دبلوماسية القمة التي تعنى تجاوز الوسائل التقليدية الأخرى بقصد سرعة حسم الموضوعات والقضايا المطروحة على المؤتمر من قبل الرؤساء.
وتعلق الشعوب الأفريقية الآمال على قمة الجزائر القادمة باعتبارها فرصة لدول القارة لاستيعاب التحولات الدولية الجديدة التي لا تعرف سوى تكنولوجيا الأرقام والتكتلات الاقتصادية في مواجهة العولمة كما أن هناك حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لوحدة وتضامن أفريقيا لمواجهة تلك التحديات الهائلة التي تواجهها القارة.
والقارة الأفريقية وهي تستقبل الألفية الجديدة يجب أن يكون شعارها هو تحقيق السلام والأمن والاستقرار الدائم بكافة الوسائل مثل غيرها من الشعوب.
ويأتي انعقاد القمة الأفريقية في الوقت الذي تعاني فيه دول القارة من وطأة الحروب والنزاعات وثقل الديون إضافة إلى العزلة والتهميش وقد شهدت القارة الأفريقية أكثر من 36 حربا الأمر الذي برزت معه ظاهرة الارهاب التي ستكون من الموضوعات الهامة التي سيناقشها المؤتمر ودعوة الرئيس حسني مبارك لعقد مؤتمر دولي لمواجهة الارهاب.
حزمة كبيرة من المواضيع والاهتمامات
وتعتبر قمة الجزائر هامة للغاية نظرا لطبيعة الموضوعات التي ستناقشها سياسية واقتصادية حيث ستبحث الأزمات وبؤر التوتر في القارة بهدف ايجاد السبل والوسائل الكفيلة لحلها ومن أهمها النزاع الأثيوبي الأريتري وأزمة الكونغو وسيراليون وجزر القمر وأنجولا,, كما ستبحث القمة عددا من القضايا الاقتصادية في مقدمتها الجماعة الاقتصادية الأفريقية ومشكلة الديون الخارجية.
وتتصدر الحرب بين أثيوبيا واريتريا مناقشات القمة وجهود التسوية التي بذلت في هذا النزاع نظرا لما يمثله هذا الصراع المسلح على مناطق حدودية متداخلة من تحد يواجه القارة يضاف إلى قائمة التحديات التي تواجهها,, وما زالت آمال إحلال السلام بعيدة المنال بينهما نظرا لاستمرار المعارك الطاحنة بين الطرفين.
فعلى الرغم من وجود خطة السلام الأفريقية التي اقترحتها منظمة الوحدة الأفريقية في القمة الماضية والتي تنص على وقف اطلاق النار ونزع السلاح على الحدود وسحب قوات الطرفين ونشر قوات حفظ السلام ومراقبين وقيام طرف محايد بترسيم الحدود إلا أن كل دولة قد أعلنت قبولها للمبادرة على طريقتها الخاصة,, فاريتريا تقول إنها انسحبت من بادمي أصل النزاع في حين ان أثيوبيا تصر على العودة أولاً إلى حدود ما قبل تفجر الأزمة.
وهكذا تتحطم على صخرة الموقف الأريتري والاصرار الأثيوبي جميع محاولات الوساطة التي تبذل لإنهاء هذا النزاع والتي كان آخرها جهود مصر في مايو الماضي حيث اجتمع الرئيس حسني مبارك في القاهرة بالرئيس الاريتري أسياس أفورقي ثم برئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي للتعرف على وجهات نظر البلدين والعمل على التقريب بينهما.
وركزت الجهود المصرية في ذلك الإطار على اقناع الدولتين بوقف الحرب بينهما واللجوء إلى المفاوضات للتوصل لحل الأزمة بناء على قاعدة مبادرة واجادوجو.
وكانت قد بذلت من قبل عدة جهود للوساطة من جانب رئيس جيبوتي السابق حسن جوليد وسوزان رايس مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية ثم تم تشكيل لجنة ثلاثية برئاسة بليز رئيس بوركينا فاسو قامت بعدة جولات مكوكية بين أسمرة وأديس أبابا دون أن تسفر عن نتيجة.
إن ما يجري على الحدود الاريترية الأثيوبية الآن هو تعبير واضح عن حال الاضطراب وعدم الاستقرار الذي يسود كثيرا من المناطق الأفريقية.
ويأمل المراقبون أن تنجح قمة الجزائر في اقناع الأطراف المتحاربة في الالتزام بمبادرة واجادوجو وترجمتها إلى خطوات عملية ملموسة حتى يعود الهدوء والاستقرار إلى هذه المنطقة.
الصراع الكونغولي المزمن
وتناقش القمة الأفريقية القادمة الصراع في الكونغو الديمقراطية وجهود الرئيس الزامبي فريدريك شيلوبا لحل هذا الصراع وكانت آخرها المفاوضات التي عقدت في لوساكا والتي أحرزت تقدما ملموسا بشأن وقف إطلاق النار بين المتمردين والقوات الحكومية برئاسة لوران كابيلا.
ويتضمن مشروع الاتفاق جدولا زمنيا محددا لعمليات انسحاب القوات الأجنبية في نفس الوقت الذي يعلن فيه وقف اطلاق النار.
وينصب لب الخلاف على اجراءات وأسلوب سحب القوات الأجنبية من الكونغو الديمقراطية,, فكينشاسا تطالب كشرط مسبق بانسحاب قوات رواندا وأوغندا التي تساند المتمردين إلا أن رواندا وأوغندا تريدان انسحابا متزامنا لجميع القوات الأجنبية, ومن المعروف ان قوات من أنجولا وزيمبابوي وناميبيا موجودة أيضا في الكونغو لمساندة الرئيس لوران كابيلا.
لقد أصبحت أراضي الكونغو ساحة لصراع أفريقي واسع شمل عددا كبيرا من الدول الأفريقية مما يتطلب بذل جهود مكثفة لإنهائه,, ويرى المختصون في الشؤون الأفريقية أن مستقبل الصراع يستلزم ضرورة التوصل إلى صيغة ديمقراطية للحل بين عناصر النخبة السياسية.
وتحظى الأوضاع في كل من سيراليون وجزر القمر باهتمام القمة الأفريقية فبالنسبة لسيراليون ما زالت المفاوضات تجرى بين حكومة سيراليون والجبهة الثورية المتحدة بزعامة فودي سنكوه لمحاولة إحلال السلام ووقف اطلاق النار وكانت قيادات المتمردين قد رفضت مؤخرا مشروع اتفاق للسلام يعتبرونه غير كاف حيث اقترحت حكومة سيراليون تخصيص أربعة مناصب وزارية وأربعة نواب للوزراء على المتمردين في الحكومة المقبلة إلا أن المتمردين طالبوا بسبع وزارات في الحكومة المقبلة.
ومن المقرر أن يجتمع قريبا في لومي رؤساء توجو ونيجيريا وليبيا وبوركينا فاسو وسيراليون بالإضافة إلى زعيم المتمردين فودي سنكوه الذي تم الافراج عنه مؤقتا في مايو الماضي وذلك للتفاوض من أجل التوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين وهذه المفاوضات تجرى منذ أكثر من شهر.
كما ستناقش القمة الأفريقية الأوضاع في جزر القمر في ضوء الانقلاب الذي وقع 30 أبريل الماضي بقيادة الكولونيل ازالي اسوماني وأطاح بالرئيس المدني تاج الدين بن سعيد وبادر قائد الانقلاب باصدار أوامره بوقف العمل بالدستور وحل البرلمان الفيدرالي والمحكمة العليا.
وقد أدانت منظمة الوحدة الأفريقية هذا الانقلاب وأعربت عن أملها في حفظ الأمن والاستقرار ومواصلة الحوار البناء بين الأطراف الداخلية لاستكمال خطة التسوية السلمية التي توصلت إليها المحادثات في تناناريف عاصمة مدغشقر.
وأعلن الكولونيل ازالي أنهم قطعوا خطوة نحو المصالحة ووصف الاتصالات التي جرت بأنها مثمرة وأنها ستتواصل حتى يتم التغلب على الخلافات وأنه لا رجوع عن اتفاقيات تناناريف وسوف يبحث أسلوب تطبيقها على اساس إدارة ذاتية لكل جزيرة مع الاعتراف بأن هناك مصالح مشتركة يتعين الحفاظ عليها.
ويرى المراقبون أن مواجهة هذه الصراعات تتطلب سلسلة من الاجراءات والمواقف والجهود من أجل التوصل إلى حلول جذرية لها وتشجيع الأطراف على نبذ العنف والتوقف عن اللجوء إلى السلاح كأسلوب لحسم الخلافات بين الأفارقة كما أن على منظمة الوحدة الأفريقية أن تكرس كل طاقاتها وإمكاناتها قبل أن تزداد تلك الصراعات وتتفاقم وتجعل مستقبل القارة تحيطه الأخطار.
وفي نفس الوقت لابد أن يتحرك الأفارقة بأنفسهم لعلاج مشكلاتهم فالتعاون الأفريقي المشترك ضروري لقطع الطريق أمام المحاولات الأجنبية للتدخل في شؤون القارة ودولها.
ديون أفريقيا الأزمة الدائمة
وتبحث القمة الأفريقية على الصعيد الاقتصادي مشكلة الديون الأفريقية لدول القارة التي تقدر بنحو 350 مليار دولار وتعادل أكثر من 65% من إجمالي الناتج القومي لها ويستلزم علاج مشكلة الديون تعاونا وثيقا من الدول الكبرى المتقدمة ومن هيئات التمويل الدولية,.
ولا شك أن معاونة هذه الدول والمؤسسات في حل تلك المشكلة سوف يساعد على رواج وتنشيط النظام الاقتصادي الدولي بأكمله وهو الأمر الذي يعد في مصلحة الجميع.
كما يبحث اجتماع القمة الخطوات التنفيذية التي يجري اتخاذها للتكامل الاقتصادي بهدف إقامة الجماعة الاقتصادية الأفريقية بحلول عام 2025,, فرغم سريان المعاهدة الاقتصادية منذ ثلاث سنوات إلا أن عملية التنفيذ قد واجهتها عقبات وتجري الآن محاولات لتذليلها خاصة بعد أن عقدت الجماعة اجتماعها الأخير في القاهرة في العام الماضي وأكدت أن التكامل الاقتصادي هو الطريق الوحيد للتنمية في أفريقيا.
وقد تبنت منظمة الوحدة الأفريقية فكرة التكامل الاقتصادي كعامل مساعد في جهود التنمية ومن هنا أنشئت الجماعة الاقتصادية ووقع عليها القادة في قمة أبوجا 1991م ودخلت حيز التنفيذ في 1994م ويتم تنفيذها على مدى 34 عاما.
وتستهدف الجماعة الاقتصادية النهوض بمستويات التنمية في الدول الأعضاء عن طريق التعاون والتنسيق في جميع المجالات وصولا إلى تحقيق التكامل بين الاقتصاديات المختلفة.
ومما لا شك فيه أن اتفاقية الجماعة الاقتصادية كما وصفها الرئيس حسني مبارك تعتبر بداية عصر جديد من التكامل والتنسيق الاقتصادي بين دول القارة وفي نفس الوقت بدأت بعض الخطوات المبشرة بالأمل لتطبيق اتفاقية الجماعة وذلك بالتعاون مع بعض التكتلات الأخرى مثل تجمع الساداك وتجمع الأكواس والكوميسا.
واهتمام القادة الأفارقة بقضية التكامل سيدعم الجهود المتواصلة لحل المشكلات السياسية واتاحة الفرصة لحلها بدلا من الحروب ذلك أن التنمية الاقتصادية تحتاج إلى الاستقرار السياسي.
مكافحة الارهاب
وتتناول اجتماعات القمة مناقشة الجهود الخاصة بمكافحة الارهاب في ضوء الاجتماعات التي عقدها وزراء العدل الأفارقة في الجزائر مؤخرا وانتهت إلى إقرار مشروع اتفاقية أفريقية لمكافحة الارهاب سترفع للقمة وفي حالة إقرارها سيتم التوقيع عليها,, كما سيتم بحث دعوة الرئيس حسني مبارك لعقد مؤتمر دولي لمواجهة الارهاب.
|