الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عن تميم الداري - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدين النصيحة) ثلاثا، قلنا: لمن يارسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.
أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ان الدين النصيحة، فهذا يدل على ان النصيحة تشمل خصال الاسلام والايمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل ، وسمى ذلك كله دينا.
وخرج الطبراني في الصغير من حديث حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لايهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم) ونقصر حديثنا على (النصيحة لكتاب الله).
(النصيحة لكتاب الله) من واجبات الدين، واشدها مسؤولية عند الله تعالى، ولها متطلبات يجب على المسلم ان يعيها، ويعمل بها.
ونقل الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في كتابه (جامع العلوم والحكم) عن الامام محمد بن نصر المروزي في كتابه (تعظيم قدر الصلاة) عن أهل العلم من السلف الصالح في مطالب النصيحة لكتاب الله قولهم:
وأما النصيحة لكتاب الله، فشدة حبه وتعظيم قدره، اذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، او يقوم به له - أي لله تعالى بعدما يفهمه عنه - ويديم دراسته، والتخلق باخلاقه، والتأدب بآدابه 1ه.
ثم نقل الحافظ ابن رجب عن ابي عمرو بن الصلاح - رحمه الله - في كتابه (صيانة صحيح مسلم من الاخلال والغلط وحمايته من الاسقاط والسقط) قوله: (والنصيحة لكتاب الله تعالى: الايمان به ، وتعظيمه وتنزيهه، وتلاوته حق تلاوته، والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته ، والدعاء اليه، وذب تحريف الغالين، وطعن الملحدين عنه) 1ه.
ومن واجبات النصيحة لكتاب الله: التزام العمل به معتقدا أنه الحق المبين لجميع الحقوق والواجبات، قال تعالى: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل).
ومعتقدا انه القول الفصل بين الحق والباطل ، قال تعالى: (والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع * انه لقول فصل، وما هو بالهزل).
وفي هذا يقسم سبحانه بالسماء ورجعها بالمطر الذي به حياة النفوس والأجسام، وبالأرض وصدعها بالنبات، واخراجها الثمرات الخيرات التي بها الاقوات، اقسم بذلك على حقية هذا القرآن فقال: (انه لقول فصل) أي هو الذي يفصل بين الحق والباطل، وانه الجد كل الجد (وما هو بالهزل) فلا هزل فيه، ولا باطل، ولا عبث، ولا لعب، فلا يجوز ان تتخذ آيات الله هزواً قال تعالى: (ولا تتخذوا آيات الله هزواً)، ومن مظاهر اتخاذ آيات الله هزواً.
1 - سوق بعض الكلمات القرآنية في مساقات الهزل، او المزاح، او الضحك، أو العبث، كما يفعله الفساق في مجالسهم.
2 - عدم الاهتمام بأوامر القرآن ونواهيه ، فلا يرغب بما رغب الله به ، او لا يرهب ما حذر الله منه.
3 - الاحتيال على نصوص القرآن الكريم، بان يصرفها عن معانيها الواردة في السنة، او عن الصحابة، او عن السلف الصالح الى ما تهواه نفسه وعقيدته الزائغة.
4 - عدم الثقة واليقين بما اخبرت عنه آيات القرآن الكريم من امور غيبية، او حوادث كبرى قادمة ستقع كقيام الساعة، واحداثها، واشراطها، وغير ذلك.
نسأل الله - عز وجل - ان يرزقنا كمال النصح لكتابه، وتمام الفهم لأحكامه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.