يوم آلت الأمور الى عبد العزيز بوتفليقة وتسلم رئاسة الجزائر، بعد الربكة التي احدثها انسحاب المرشحين الآخرين معه في انتخابات الرئاسة اشفق الكثيرون على هذا المناضل الجزائري الذي يحمل مجداً دبلوماسياً اقترن باسمه واسم بلاده يوم رأس الامم المتحدة وساعد على تمكين منظمة التحرير الفلسطينية من الحصول على مقعد المراقب وفسح المجال لياسر عرفات ليعتلي منصة الخطابة في الأمم المتحدة لأول مرة ليخاطب العالم ويعرض مأساة شعبه.
ومرد الاشفاق على بوتفليقة تخوف الكثيرين من أن تحرق الفتنة المشتعلة في الجزائر رصيد بوتفليقة مثلما أحرقت من قبله لعجزهم على وضع حدٍ لها الا ان الرئيس الجزائري ومنذ الايام الاولى لتسلمه منصبه رغم ما رافقه من تشكيك في المرشحين المنسحبين وانصارهم الا انه بدا ومنذ خطابه الاول مصمماً على مواجهة تحديات الفتنة فحدد هدفه في ذلك الخطاب بالسعي الى بناء مجتمع بلا كراهية متحرر من احقاد الماضي ورواسبه متصالح مع نفسه وتاريخه لا خوف فيه ولا اقصاء.
هذه الوعود، وعود محببة جداً للجزائريين ولكن بعد حمامات الدماء والتفجيرات,, وكمائن القتل والاغتصاب كيف يتسنى بناء مجتمع بلا كراهية,,؟!.
وكيف يتحرر الجزائريون من احقاد الماضي ورواسبه,,؟!.
هل يكفي ان يتصالحوا مع انفسهم اعتماداً على تاريخهم النضالي والاكتفاء بالحديث عن انتفاء الخوف وعلى عدم اقصاء اي جهة او جماعة عن الحياة السياسية,,؟!.
تلك هي المعضلة التي واجهها بوتفليقة والتي لا يزال يسعى لبناء وترسيخ آلية ومنهجية لزرع قواعد للثقة بين افراد الشعب الواحد الذي تشرذم الى فئات عدة.
البداية كانت في نجاح بوتفليقة في الاتفاق على هدنة لوقف اطلاق النار لمدة واحد وعشرين شهراً,, والهدنة التي اعلنت من جانب واحد من الجيش الاسلامي للانقاذ الجناح العسكري للجبهة الاسلامية للانقاذ هدنة يعدها كثير من المحللين والعارفين بالشأن الجزائري جزءا من اتفاق عام لوقف اطلاق النار تفاوض عليه قادة الجيش، الا ان احدا منهم لم يعلنه، او لم يصل الى صيغة نهائية لانه يحتاج الى قيادة سياسية عليا تستطيع تنفيذ خطواته، ومن حسن حظ الجزائريين ان يتبنى بوتفليقة الاتفاق الذي سواء ابرم من قبله، او قدم منه، او وافق عليه، فإنه شكل الخطوة الاولى لبناء اولى قواعد اعادة الثقة بين الفئات المتناحرة، ويسجل للرئيس الجزائري بوتفليقة انه عزز هدنة وقف اطلاق النار بسلسلة من الاجراءات والخطوات التي اعطت مزيداً من الأمان للذين حملوا السلاح ضد الحكومة والتي كان آخرها الافراج عن مجموعة كبيرة من المتشددين الذين لم يتورطوا في اعمال القتل والاغتصاب.
المسيرة امام بوتفليقة طويلة وشاقة الا انها بدأت خطواتها بثقة وقبول شبه عام من الجزائريين مما يوحي بأن اسباب النجاح متوفرة لها خاصة وانها تحظى بتأييد ومساندة كل الذين يتمنون الخير للجزائر والجزائريين من داخل الجزائر ومن محيطيها العربي والاسلامي.
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser * Al-jazirah.com