* تحقيق : تركي الحمر
من خلال اتصالاتنا بالشباب وجدناهم مهووسين بشيء اسمه الانترنت يقبلون عليه كما لم يقبلوا على شيء آخر غيره من معطيات العصر الجديدة ولم يرفضوه كما يطالبهم الآباء واصحاب التجارب التي سبقت تجاربهم في الحياة بل اقبلوا عليه بكل حيوية الشباب وتفتحه للحياة، وعندما قمت بجولة في الميدان لتجسيد جانب من فكرة التحقيق التقيت بشباب لم اندهش من معرفة وجهة نظرهم حيال هذا العصر وما طرأ فيه من اساليب جديدة مثل الانترنت وسعدت كثيراً من ثقتهم بانفسهم واعتزازهم بموقفهم الديني والاجتماعي ودرايتهم التامة بالانترنت وغيره من اساليب تقنية ومعلوماتية جديدة لأصل لقناعة حتماً ستصلون انتم قرائي الاعزاء لها تاركاً لكم استنتاجها بعد قراءتكم لما قاله الشباب في هذا التحقيق الذي دعمناه بآراء حول شباب اليوم وحول الانترنت ودعمناه ايضاً بآراء مختصين وتربويين.
*د,الحويماني: سيبحث شبابنا عن كل مفيد مع تقدمهم في التجربة,.
* د,فوزية أخضر: يستحيل أن ندير ظهورنا لتقنيات العصر وعلينا التعقل لئلا نفقد هويتنا
* د,طاش: يلزم الشاب تدريب نفسه للتعرف على القدرات وحسن استخدامها وتقوية عزيمته ليكون مميزاً
نتعامل معه بعقلانية
في البداية تحدث لنا الشاب محمد العبيكان قائلاً: انه لامر طبيعي ان اقبل على مافي هذا العصر من جديد مثل الانترنت دون خجل او وجل, وعندما قلت لمحمد (وهو طالب في الصف الثالث ثانوي) عن أن الانترنت يقدم اشياء سيئة لمن هم في مثل سنه فهل يقبل عليها اجاب: بالطبع لا، انا اتعامل مع كل مايسمح به ديني وتربيتي وقناعتي الشخصية النابعة من تلك المبادىء التي تقودني دائماً الى التعامل مع الشيء بشكله الصحيح.
ويضيف العبيكان,, كثيرا مانسمع من كبار السن واصحاب الخبرة في الحياة رفضهم لعصرنا ومطالبتنا بعدم التعامل مع الانترنت بحجة ان هذا قادم من الغرب لافساد عقول الشباب العربي المسلم ونحن نرد عليهم اننا شباب وجدنا في عصر اصبح من الضروري ان نتعامل مع معطياته المعلوماتية وثقوا اننا نحسن التعامل مع الامور وهم اذ يقولون ذلك فهو نابع من خوفهم علينا ولكن نقول لهم: لاتخافوا.
وفي موقع آخر التقيت بشابين هما محمد الشايع واديب الحجي ليأخذ الشايع بزمام المبادرة في الحديث ويقول: الانترنت كمعطى ليس مشكلة وانما المشكلة تكمن في كيفية التعامل مع هذا المعطى فالمعروف ان الانترنت يوجد به الشيء السيىء والشيء الحسن وتختلف طريقة كل شخص في تعامله مع الانترنت واعتقد ان من يحسن التعامل معه سيجد فيه اشياء كثيرة مفيدة وسيصبح ضرورة من ضروريات حياته, ويتدخل اديب الحجي ليقول: لايخفى على الجميع مدى الاقبال الشديد من قبل الشباب على الانترنت وكل يراه من خلال منظوره الخاص فهناك فئة من الشباب تتعامل مع الامور السيئة فيه ويتباهون في اقتحامها واعتقد ان ذلك (والكلام للحجي) عائد لخلل في التربية ولضعف الوازع الديني وهناك من يتعامل معه بجدية وبرغبة في زيادة المعرفة النافعة وزيادة للمخزون الثقافي ويعود الشايع قائلاً: لايمكن ان استغني عن الانترنت في وقتنا الحاضر لسبب بسيط هو انه يقع في نطاق تخصصي الدراسي ولحاجتي الشخصية له وادعو جميع الشباب ان يحسنوا التعامل معه ومع كل تطور تقني او معلوماتي وفي اثناء الجولة التقينا بشاب من المنطقة الشرقية يدعى علي العلي وطلبنا منه ان يدلي بدلوه في الموضوع فرحب وقال: اذا كان مايقدم في الانترنت لايتعارض مع الدين او عادات المجتمع وتقاليده فانا لا اعارض التعامل معه بل سأكون سعيداً عندما اقتحم عالمه واكتشف مافيه ويضيف العلي,, علينا نحن كشباب عدم الانجراف السريع خلف كل ماهو جديد دون ان نفكر الىماذا يقود هذا الجديد او ماذا يمكن ان يضيف لنا علينا ان نتعامل مع الانترنت باسلوب أخط خطوة ثم فكر كيف ستخطو الخطوة التي بعدها بهذا الشكل ستتضح كثير من الامور الكفيلة بالحفاظ على هويتنا كشباب مسلم متعلم مدرك.
جيل محظوظ ولكن ينقصه التوجيه
اما الشاب محمد الوهيبي فيقول: للاسف ان الكثير من شبابنا يتعامل مع توافه الامور المعروضة من خلال شبكات الانترنت ويترك الشيء الجيد الذي سيعود بالنفع للقليل من الشباب هذا ما أراه من خلال علاقاتي مع ابناء جيلي وهذا امر محزن للغايةويعلل الوهيبي ذلك بانتشار القنوات الفضائية التي تقدم البرامج الهابطة والاباحية والتي جعلت الشباب يقبل على كل ماهو مختلف حتى عبر الهاتف من خلال (الخطوط إياها).
وفي جانب آخر التقينا برجلين من جيل سابق مسئولين عن اسر تضم الابناء والاحفاد فكانت البداية مع المواطن محمد احمد القبي الذي صادف وجود أبنائه معه لاسأله عن كيفية توجيهه لابنائه في عصر الفضائيات والانترنت ليجيب قائلاً: اولاً التشديد على محافظتهم على الدين الحنيف ثم بحثهم على مواصلتهم تعليمهم واكتساب مهارات التعلم على اساليب العصر الجديدة مثل الكمبيوتر والانترنت وعندما تحسن تربية ابنائك لاتخشى عليهم وانا اعتقد ان الاب الذي لايسمح لابنائه بالاكتشاف باكتساب المعرفة اب لم يحسن تربية ابنائه ويخشى عليهم من السقوط وهذا امر طبيعي لهشاشة القاعدة, وانا ارى (والكلام للقبي) ان جيل هذا العصر محظوظ باساليب سهلة ومتوفرة للتحصيل وازدياد المعرفة واكتسابها والعصر اختلف عن ذي قبل فكل شيء الان سريع وعليك ان تجاريه في ذلك والا لاصبحت من المتأخرين,, وادعو كافة الاباء ان يشجعوا ابناءهم على اقتحام اساليب هذا العصر وأن يجعلوا من دورهم مقتصراً على التوجيه ولامانع من المشاركة طمعاً في الفهم والتقارب وعلى النقيض تماماً يأتي (محفوظ الطلحي) فهو متخوف من الانترنت ورافض لوجود الدش في منزله وفي عقاراته التي يملكها مشترطاً على من يسكن لديه عدم تركيب طبق فضائي ويبدي وجهة نظره قائلاً: انا مازلت متخوفاً من الانترنت وانصح ابنائي كل ماحانت الفرصة بالابتعاد عنه وعدم المطالبة بالتعامل معه لانني لا اعرف الخلفيات المترتبة عن ذلك وما اسمع عما في الانترنت من سوء يجعلني مصراً على موقفي, وعندما قلت له ان في الانترنت اشياء مفيدة فكيف تحرم ابناءك من الاستفادة اجاب الطلحي مبدياً مرونة في ذلك: انا لا اريد ان احرم ابنائي من الاستفادة ولكن بعد ان يكونوا على دراية تامة بكيفية التعامل معه ويجب علينا كآباء ان نكون حريصين على ابنائنا وعدم تركهم يخوضون التجربة بانفسهم خوفاً عليهم من فساد اخلاقهم وهذا امر يجب ان لانتهاون فيه على الاطلاق.
التجربة كفيلة بتعديل توجهاتهم
ثم توجهنا الى مدير وحدة خدمات الانترنت بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور فهد بن عبدالله الحويماني لنطرح عليه سؤالنا الاول حول نوعية المواقع التي تستهوي فئة الشباب عند تعاملهم مع الانترنت فأجاب: في رأيي الشخصي ان الشباب في كل مكان في العالم لديهم ميول متشابهة وتجد الغالبية منهم تتجه نحو الامور الرياضية والفنية واخبار المجتمع والمحادثات واضاف,, امر طبيعي ان يتجه الشباب الىبعض المواقع الغريبة وانا لا اجد في ذلك اي غضاضة لان الامر حتماً سيؤول الى الزوال اي ان الشباب سيمل وسيسأم من تلك المواقع وسيبحث عن المفيد كلما تقدم في التجربة.
وعن رفض بعض الآباء لابنائهم بعدم السماح لهم بالتعامل مع الانترنت واكتشاف مافيه من علم وثقافة قال الدكتور الحويماني: لا اعتقد ان الانترنت مخيف لهذه الدرجة وهو اصبح في كل دول العالم ماعدا الصحاري القاحلة والادغال الافريقية وهو أي الانترنت اصبح تواجده ضروريا في حياتنا اليومية وهو وجد ليبقى اي ليس بشيء سيزول بعد فترة ولذلك كان لزاماً على الاباء ان يوجهوا ابناءهم الى التعامل معه بطريقة صحيحة وان كانوا يخشون عليهم من المواقع السيئة فالشركات المتخصصة يوجد لديها مرشحات خاصة باجهزة المنازل لاتسمح للابناء بارتياد المواقع الا تلك التي حددها الاهل من خلال مايختارون من مواقع مناسبة تعود عليهم بالنفع, وعن كيفية السيطرة على المواقع السيئة من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أوضح الدكتور الحويماني ان هناك طريقتين الاولى فنية بحتة تقوم بابعاد المشترك عن تلك المواقع فور دخوله اليها والطريقة الثانية هي الجانب التوعوي في حال صعب على الاجهزة اكتشاف ذلك عبر الندوات والمحاضرات والبرامج التي تقيمها المدينة لتوعية المجتمع من مساوىء تلك المواقع, ودعا الحويماني كافة المعنيين والمختصين واصحاب الفكر والرأي لدراسة تأثير الانترنت على المجتمع كتقنية حديثة وعلى فكر الشاب واسلوبه كفرد وايضاً تأثيره على الجوانب الاقتصادية والتعليم وباقي الامور المتعلقة بحياة الانسان.
نعم للإنترنت ونعم للتعقل
ثم التقينا بالمسؤولة التربوية برئاسة تعليم البنات والاستاذ المساعد بكلية التربية في جامعة الملك سعود الدكتورة فوزية محمد اخضر لتطرح وجهة نظرها قائلة كأم اولاً وكمسئولة تربوية عن الجيل الحالي ثانياً فإني أرى انه ليس هناك ما يمنع من الاستفادة الثقافية والعلمية والمعرفية من معطيات هذاالعصر وخاصة التكنولوجيا وتقنية المعلومات وهي ماتميز هذا العصر عن غيره ومن المستحيل ونحن نقف على مشارف القرن الواحد والعشرين ان نقول لابنائنا من هذا الجيل بان يديروا ظهورهم للانترنت بتجاهله وعدم التعامل معه.
ولكن الدكتورة فوزية اخضر تعود وتقول: الامر الذي يمكن ان نطالب به هو التعقل والتريث في استخدام تلك المعطيات وعدم الاقبال عليها على علاتها حتى لانفقد هويتنا او نتنازل عن خصوصيتنا كمجتمع (لاسمح الله), وعن الجدل الحاصل بين الجيل الكبير والجيل الصغير تقول الدكتورة فوزيه: انا لا ارى ان هناك صراعا حقيقيا بالمعنى المفهوم وانما اختلاف في وجهات النظر بسبب النقلة الحضارية السريعة التي حدثت للمجتمع السعودي، لكنني ارى ان الجيل الحالي معرض لاخطار كثيرة اسأل الله عز وجل ان يحميهم منها.
اما الدكتور عبدالقادر طاش مدير عام قناة اقرأ الفضائية فيوضح لنا كيفية توجيه الشباب التوجيه السليم في عصر الانترنت قائلاً: التوجيه السليم يبدأ بالوعي والعلم وهما يقودان الى الاقتناع الذاتي الذي يمثل حصانة للشاب تقيه من الوقوع في المحذورات وتعينه على التقدير الصحيح للافكار والمواقف,, ولايمكن ان يثمر التوجيه ويؤتي أكله لدى الشباب اذا قام على الاكراه وفرض الرأي, ويرى ان الشباب المتعاملين مع معطيات العصر مختلفون، فهناك شباب احسنوا التعامل مع تلك المعطيات من خلال فهمها وادراك اهميتها واكتساب مهاراتها والاستفادة من ثمراتها, وهناك شباب بعيدون عن هذه المعطيات ومنعزلون عنها ومشغلوون بأمور اخرى قد تكون هامشية او سطحية, وهناك شباب اساؤوا التعامل مع معطيات العصر من خلال تسخيرها في ارضاء الشهوات وقتل اوقات الفراغ دون ادراك واع بالفوائد العظيمة لتلك المعطيات,, ويؤكد ان المناهج التعليمية والاساليب التربوية تسهم بشكل كبير في تكوين حاجز قوي ضد الافكار الدخيلة وتكمل مايقوم به البيت بل ان المدرسة اليوم ربما تقوم بدور اكبر من البيت بسبب ضعف الدور الاسري في العصر الحاضر.
كيف نجعل من شبابنا مؤثرين لامتأثرين:
وعن الطريقة الناجحة التي من شأنها ان تجعل من شباب اليوم مؤثرين لامتأثرين يقول الدكتور عبدالقادر: الطريقة تتمثل في بنائهم وتكوينهم تكويناً صحيحاً ومتيناً منذ الصغر,, ولهذا التكوين والبناء جوانب عديدة يأتي على رأسها التكوين الفكري من حيث الاعتناء بترسيخ مبادىء العقيدة السليمة في القلب وكذلك التكوين العلمي من حيث تأهيل العقل على التعامل مع امور الحياة على أسس علمية ومنطقية، وكذلك التكوين النفسي من حيث تدريب النفس على التعرف على القدرات وحسن استخدامها وتقوية عزيمتها على كل مايجعل الانسان مميزاً عن غيره,, وكذلك التكوين الاخلاقي من حيث صقل الجوارح لحسن التعامل مع الذات والاخر,ويضيف الدكتور عبدالقادر,, واذا تم هذا التكوين وفق منهج اسلامي سليم فإنه سيبني للفرد شخصية متميزة قوية الاركان وقادرة على الاستفادة من معطيات الحياة والناس واستيعاب الافكار الجديدة ووزنها وفقاً لذلك المنهج وقبولها او رفضها ومن هنا يصبح الانسان قادراً على التمييز بين الحق والباطل والغث والسمين, واذا توافرت له هذه الميزة فانه سيكون اقرب الى التأثير منه الى التأثر, ويشير الدكتور عبدالقادر الى ان التأثير ليس كله عيباً او مذموماً فهناك تأثر محمود موضحاً ذلك بقوله: اذا كان التأثر موافقاً لمقاييس الشرع والعقل فلايمكن ان يكون الانسان مؤثراً فقط، بل هو يجمع بين التأثر والتأثير والمطلوب هو ان يكون التأثر بوعي وعلم وموافقاً للموازين الشرعية والعقلية, وعن وجهة نظره في الدعاوى المطالبة شباب اليوم بالتوقف عن التعامل مع الانترنت وترك التجربة لغيرهم بحجة ان ذلك مفسدة للعقل والاخلاق يقول الدكتور طاش:لايمكن قبول تلك الدعوى وذلك لامرين اولهما ان اسهام الامم في التجربة والابداع هو حق مكفول لكل امة فلماذا يطلب من اي امة ان تتوقف عن ذلك؟ ان هذا امر لايسوغه عقل ولامنطق، اما الامر الاخر فيتمثل في كون امتنا الاسلامية امة مميزة فقد اختارها الله لنشر رسالة الاسلام الخاتمة وجعلها امة شاهدة على الامم ولايتصور ان تكون هذه الامة متخلفة ومتأخرة عن الامم الاخرى لانها بذلك تعقد شروط الريادة والقيادة,, ولذلك نرى ان شبابنا مطالبون بخوض غمار التجارب المفيدة والسعي نحو التفوق واقتحام مجالات الابداع في كل عصر, ان هذا الاقتحام ليس مجرد فضيلة محمودة بل هو واجب شرعي ينبغي القيام به واداؤه على اكمل وجه.
رفقاً بالشباب
وكان للدكتور تركي الحمد رأي ووجهة نظر تكرم بطرحها مشاركة لنا في هذا الموضوع حيث اشار الى ان صراع الاجيال واختلافها مسألة معروفة في الحياة الإنسانية، وقضية مدركة في علوم الإنسان والمجتمع, فكل جيل يعتقد انه هو الجيل الافضل: افضل من سابقيه في اشياء، وأفضل من لاحقيه على الإطلاق, وتلك الجملة التي نسمعها دائماً: جيل آخر زمن تعبر عن جوهرة هذه النظرة بشكل يكاد يكون كاملا, ففي الحقيقة ان كل جيل هو في لحظة من اللحظات جيل اخر زمن اجدادنا في وقتهم، كانوا جيل آخر زمن بالنسبة لآبائهم، كما اننا جيل آخر زمن بالنسبة لآبائنا وأبناؤنا هم جيل آخر زمن بالنسبة لنا، وهكذا دواليك, المراد قوله هنا هو ان جيل آخر زمن ، ليس جيلا بعينه، بل هو كل جيل وأي جيل,
وبالتالي فإنه عندما ينتقد هذا الجيل ذاك الجيل، فإن القضية طبيعية ومفهومة، من حيث ان كل جيل لابد ان يختلف عن سابقه او لاحقه بهذا الشكل او ذاك، وخاصة في مثل العصور الحديثة التي نعيشها، ولكن غير الطبيعي هو الإفراط في مثل هذا النقد لدرجة الرفض المطلق لكل ما يأتي به او يفعله الجيل المنتقد, نعم هناك ثوابت ثقافية واجتماعية معينة، ولكن هذه الثوابت إنما تكتسب من خلال السلوك والممارسة، وبشكل غير واع في كثير من الاحيان, كما ان مثل هذه الثوابت لاتعني الجمود، بل هي نسبية كاي شيء آخر في حياة بني الإنسان, ثباتها لايعني عدم التحول في مضمونها، بقدر ما يعني تغير المضمون مع تغير الظروف، فيما تبقى ذات القيمة ثابتة, اقول هذا الكلام وفي الذهن جيل الشباب وجيل الشيوخ في مجتمعنا، ان صح التعبير، ولنكون اكثر وضوحا، في الذهن هذا التناقض الذي يطل براسه احياناً كثيرة بين جيل ماقبل الطفرة وجيل الطفرة، او ممن ولد او نشا في ظلها لاشك ان جيل الطفرة يختلف عن جيل ماقبل الطفرة، وهذا شيء طبيعي ويجب ان يكون كذلك وإلا فنحن من الجامدين الذين لاينتمون الى الحياة نفهسا، وكل جيل يرى انه الافضل من ناحية وان الجيل الاخر لا يعطيه حقه من الفهم والتفاهم فالجيل السابق يتهم الجيل اللاحق (جيل آخر زمن) بانه جيل متقاعس، غير اهل للمسؤولية لايهمه من دنياه غير الاستهلاك وملذات الدنيا وعديم الثقافة والاهتمام بالشان العام، وغير ذلك من تهم يطول سردها وشرحها، والجيل اللاحق يتهم الجيل السابق بانه لايفهمه، ولايحاول ان يتفهمه، من حيث انه جيل ذو شخصية مختلفة، ليس من الضروري ان تتماهي بالكامل مع شخصية الجيل السابق، وهو يريد اثباتها كما ان الجيل السابق لديه صورة نمطية عن الجيل اللاحق لايغيرها، وليس لديه استعداد لان يغيرها، وهنا تكمن المشكلة, وحول هذه الموضوعات، يدور صراع الاجيال في مجتمعنا الى حد كبير, والسؤال المطروح هنا هو: هل فعلا ان جيل اليوم، جيل الطفرة ومارافقها من تغيرات، هو جيل عديم الإحساس بالمسؤولية، ولايهمه الا البحث عن المتعة والاستهلاك، ونحو ذلك من تهم؟ وهل فعلا ان الجيل السابق، جيل ما قبل الطفرة، افضل من جيل الطفرة عموما؟
وأضاف الحمد القول: حقيقةان هناك سلوكيات معينة لدى جيل اليوم تختلف عن الانماط التي عرفها جيل الامس، ولكن هذا من طبيعة الامور وتغير الطروف والمعطيات, فالوفرة التي خلقتها الطفرة لابد لها ان تكون مترافقة مع سلوكيات واذواق وتطلعات مختلفة، والاندفاع والحماس هو طبيعة الاجيال الشابة على اية حال,
وإذا كانت الاجيال السابقة لم تمارس ما يمارسه شباب اليوم، فذلك لايعني انهم جيل بلا خطيئة، وليس اللوم علىذات الشباب من ناحية اخرى، بقدر ما ان الملوم هو الظروف والمتغيرات التي لايمكن لومها باي حال من الاحوال هذا من ناحية، ومن ناحيةاخرى فإني اعتقد ان الجيل السابق عندما يلوم الجيل اللاحق فهو في الحقيقة يلوم نفسه دون ان يشعر او يعي فالذي ربى او اشرف على تربية الجيل اللاحق هو الجيل السابق او يفترض ان يكون قد فعل ذلك مافعلته الطفرة هو انها اثملت الجيل الذي عاصرها فغرق في خيراتها من بعد قلة وانعكس ذلك عليه في فترة من الفترات بإهمال كل شيء في الحياة ما عدا المال والمال فقط, لم تعد هناك علاقة سليمة بين الاب والابن ، او الزوج والزوجة، او الاخ والاخ، فنشأ جيل الطفرة دون توجيه سليم او إشراف تربوي طبيعي، او كما ينبغي بالاصح, وعندما ينحرف الشاب في مثل هذه الحالة او لايجد قيماً او مثلاً يسترشد بها فمن الملوم في هذه الحالة: الجيل المربي، ام الجيل المربى؟ الصانع ام المصنوع؟ هذا هوالسؤال الذي يجب ان يكون مطروحاً، إذاكنا نريد ان نكون من الموضوعيين.
|