* أنقرة -أش أ
تتطلع الاوساط السياسية في تركيا باهتمام كبير للنتائج التي ستترتب على اجتماعات اللجان الخمس التي اتفق وزير الخارجية التركي اسماعيل جيم ونظيره اليوناني جورج باباندريو على تشكيلها فورا لبحث التعاون بين الدولتين في مجالات تتراوح بين التجارة والسياحة الى منع الهجرة غير الشرعية ومكافحة الارهاب.
ورغم ان اجتماع جيم وباباندريو الذي عقد في نيويورك فى الاسبوع الماضي والذي يعد الاول من نوعه منذ فترة طويلة قد أثار موجة من التفاؤل فى تركيا تجاه امكانية أن يؤدي لانهاء أو على الاقل تخفيف حدة التوتر بين البلدين الا أن الحذر لايزال يغلب على هذا التفاؤل.
وقد بدا هذا الحذر واضحا فى كلمات جيم وباباندريو بعد اجتماعهما حيث قال جيم بدون الافراط فى التوقعات فان الاجتماع وما تمخض عنه يعد خطوة ايجابية فى الاتجاه الصحيح وآمل ان تستمر مثل هذه الخطوات ,,
ومن جانبه حرص الوزير اليوناني على القول اننا لانصوب على اهداف عالية بل نصوب باتجاه ما نعتقد اننا قد نجد فيه بعض النتائج الواعية .
واذا كانت كلمات جيم الذى بادر لتحقيق هذه الانفراجة من خلال الرسالة التى بعث بها لباباندريو فى الرابع والعشرين من مايو الماضي مقترحا استئناف الحوار بين البلدين قد اتسمت بالتفاول الحذر,, فان تعليقات العديد من المسئولين الاتراك سواء بشكل علني أو فى الجلسات الخاصة قد عكست قدرا أكبر من التحفظ تجاه فرص هذه المبادرة الجديدة مبدين شكوكهم فى ان تكون هذه المبادرة ذات حظوظ تتجاوز تلك التى كانت قد توافرت لعملية دافوس المريرة.
وكانت عملية دافوس قد بدأت باجتماع بين رئيسي الوزراء التركي واليوناني وقتها تورجوت أوزال وأندرياس باباندريو على هامش منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا عام 1988 وشملت زيارةهامة من أوزال لاثينا فىالعام نفسه واجتماعات لوزراء خارجية واقتصاد الدولتين,, لكن وميض هذه العمليةالتى لقيت ترحيبا دوليا وأثارت آمالا عراضا سرعان ما خبت ليعود التوتر يخيم على العلاقات التركية اليونانية الامر الذى كان الكثير من المراقبين فى الدولتين قد توقعوه لاحساسهم بأن أيا من الدولتين لم يدخل العملية ولديه القدر الكافي من حسن النوايا والرغبة فى التنازل.
ويتفق الكثير من المراقبين على أن المبادرة التصالحية التركية اليونانية الجديدة تتشابه بشكل أو بآخر مع عملية دافوس ان لم تكن الامور قد أصبحت الآن أكثر تعقيدا مما كانت عليه وقتها خاصة وقد أضيفت الى قائمة القضايا الخلافية المزمنة تداعيات القبض على الزعيم الكردي عبدالله أوجلان فى السفارة اليونانية بكينيا وماجاء فى اعترافاته بخصوص مساندة يونانية للاكراد فضلا عن حالة الاحتقان التى تمر بها القضية القبرصية فى الوقت الراهن.
ويشير المراقبون الى أنه من الواضح أن الضغوط الامريكية على حليفيها فى حلف شمال الاطلنطي ناتو لتقديم تنازلات متبادلة قد جاءت كعامل حاسم لدفع أنقرة وأثينا لتليين مواقفهما وهو مابدا من خلال تناسي وزير الخارجية التركي فى رسالته لنظيره اليوناني لما كانت تشترطه أنقرة قبل ذلك من ضرورة أن تعلن أثينا أولا وقف أى مساندة لمنظمة حزب العمال الكردستاني ,كيه,كيه, واعتبارها منظمة ارهابية, وفى المقابل فقد جاء قبول وزير الخارجية اليوناني لدعوة الحوار التى وجهها له نظيره التركي بمثابة تطور ايجابي فى حد ذاته بعد أن ظلت أثينا ترفض لسنوات طويلة مثل هذه الدعوات,, وقد وافقت اليونان فيما يبدو أنه لفتة تصالحية نحو تركيا على ادراج موضوع الارهاب على أجندة الحوار بين الدولتين بعد أن رفضت ذلك لفترة طويلة قائلة ان مفهومها عن الارهاب يختلف عن المفهوم التركي .
وفى مقابل هذه العوامل السلبية التى لاتزال تقف حجر عثرة أمام التوصل لتسوية حقيقية للخلافات بين تركيا واليونان وبخاصة نزاعهما حول ملكية جزر بحر ايجة والقضية القبرصية وغيرها من القضايا الشائكة,, فان وجود باباندريو على رأس الدبلوماسية اليونانية حالياوهو المنصب الذى تولاه فى أعقاب اقصاء سلفه المتشدد بنجالوس بعد الكشف عن فضيحة تورط اليونان فى عملية اخفاء أوجلان فى سفارتها بكينيا انما يعد أحد العوامل الايجابية فى ظل ما يردده من رغبة فى التوصل لتسوية مع تركيا,, وهى رغبة يرددها جيم بدوره منذ مدة طويلة, ويقول المراقبون انه رغم المصاعب الكبيرة التى تحيط بفرص نجاح مبادرة المصالحة الحالية الا أنه يكفي أن باب الحوار قد فتح من جديد بعد أن ظلت مثل هذه المصالحة أمرا شبه مستحيل حتى شهور قليلة مضت,
وسوف تظهر نتيجة اجتماعات اللجان التركية اليونانية الخمس خلال الشهر الحالي ما اذا كان تبادل الرسائل بين جيم وباباندريو فى نيويورك يشكل بداية لذوبان حقيقي للجليد عبر ضفتي بحر ايجة أم أن المحادثات مجرد شيء لاطائل من ورائه أملتها اعتبارات تزايد الضغوط على اليونان التى تريد أن تحسن صورتها بعد قضية أوجلان,, وعلى تركيا التى تريد أن تضع حد للعداء اليوناني الذى يقف كعقبة أمام فرص انضمامها الى الاتحاد الاوربي,, فضلا عما يمكن أن تجنيه الدولتان معا من مكاسب سياسية واقتصادية اذا حل الوفاق محل النزاع الذي طال أمده بينهما دون طائل.
|