Wednesday 7th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 23 ربيع الاول


البيروقراطية: أفعى متعددة الرؤوس!
محمد بن صنيتان

البيروقراطية تعني تنظيم السلوك الإداري وفق اسس علمية محددة لتحقيق أهداف المؤسسة, والبيروقراطية هي ممارسة عقلانية تبحث عن الجدوى في الأداء والكفاءة ولكنها فاعل من جهة أخرى لا تتردد في توظيف ممارسات خاطئة تحرم صاحب الحاجة من حاجته.
والروتين هو أحد هذه الاسس, والمقصود به تقنين اجراءات العمل للحد من اجتهادات الموظفين التي قد تؤدي الى اخطاء تهدم الغرض الذي قامت من أجله المؤسسة, ورغم ذلك فالاجتهادات البشرية لا بد منها ولا يمكن تحاشيها, واذا طلبنا غير ذلك فلا بد ان نعين موظفين أشبه بالآلات(IN put _ Out put) وإذا وصل شطط البيروقراطية الى هذا الحد تعين علينا تعيين آلات كمبيوتر بدلا من القوى البشرية وأرحنا أنفسنا من عناء التدريب وصقل المهارات ومشقة البحث عن الكفاءة والجدارة والرقابة والمتابعة.
ان تطبيق البيروقراطية الذي يعطي الروتين مساحة كبيرة من الفضاء الاداري استغل من قبل موظف الخدمة العامة، مهما كانت دونيته بالسلم الهرمي لتحقيق ما يريده لا ما تريده المصلحة العامة حتى أصبحت البيروقراطية أفعى متعددة الرؤوس.
ومن هذه الممارسة تحولت البيروقراطية الإدارية الى مجرد عقبة كأداء معرقلة لمسار الأداء الاداري ومثبطة للانجاز.
فهي تنفر المواطن من التعامل معها وتعرقل نمو المشاريع الوطنية والشخصية لدرجة ان كثيرا من الناس يحجم عن طلب الخدمة او يرتكب المخالفة خوفا من غول البيروقراطية وعقم الروتين الذي لا يطبق في انجاز مصالح الناس وحل مشاكل أهل الحاجات, بل هو نفسه من خلال الموظف البيروقراطي - وقد يكون صغيرا المشكل نفسه, فالقضايا تأخذ سنين او شهورا وهي معلقة والمواطن يلهث وقد يموت قبل حصوله على حقه فيكون أول ما يوصي به متابعة المطالبة بحقه.
والجدير ذكره ان إضافة اي مادة نظامية يترتب عليها عبء اداري من خلال متابعة تطبيقها على الواقع واستقصاء ردود الفعل بعد التطبيق.
من هنا يتأكد لنا فائدة قلة مواد النظام والتعليمات ووضوحها، اما كثرتها وتداخلها فقد يكونان سببا مباشرا لنسيانها او تناسيها وعدم السيطرة على متابعتها, والمنفذ من هذه الأنظمة هو ما يريده الموظف الذي يملك حق تفسير النص، بل أصبح انجاز المعاملة يعتمد على طبيعة العلاقة التي يقيمها المراجع مع الموظف المختص, الذي اصبح يتمتع بهامش واسع من حرية الفعل المتأني من الغموض وعدم الوضوح, ولهذا يصبح أهل الحاجات من المواطنين في مواجهة مباشرة مع جملة من العراقيل تمنعها من القدرة على إنجاز المصالح.
لأنها ما عادت تمثل شكلا من الممارسة الإدارية العقلانية التي تسهل على المواطن حل مشاكله المطروحة بجدوى أكبر وسرعة وفاعلية وإنجاز شؤونه ومصالحه التي لا بد ان تجيزها البيروقراطية, لتأخذ هذه المصلحة طابعها النظامي ويحصل على حقه المشروع من كهرباء وماء وتليفون وإيجار وبيع وشراء وخدمات اخرى كثيرةما لم يبرز هذه الإجازة النظامية التي تمنحها له البيروقراطية, وموظف الخدمة العامة وجد لتمكين المواطن من النفع العام والخاص المتاح بشروطه، إلا ان من يجهل هذه الفلسفة في مفهوم المشرع يكون سببا مباشرا في عدم وصول المنفعة لصاحبها بدون إبطاء أو مشقة.
وكما يقال صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها لذا قد يرتكب المواطن أخطاء غير مقصودة لاستعجاله في قضاء حاجته, واذا وجد هذا فمن المفروض في نظري ان تكون مسؤولية الموظف تلمس الخطأ لعلاجه وليس لإنزال العقاب, وإذا تأكد للمواطن أن موظف الخدمة العامة أصبح صديقا أو مستشارا مؤتمنا الف أصحاب الحاجات دوائر المصالح العامة وتفهموا رسالتها واصبح المراجع فاعلا في نجاح مهمة دوائر المصالح العامة.
ولذا فإن من مصالح التنمية تسهيل الاجراءات البيروقراطية وقلة التواقيع على المعاملات لجذب الاستثمارات والمشاريع التنموية الخارجية والمحلية وتحريرها من خنق الروتين, وتطهير اجراءات التراخيص من كل معوقاتها من خلال سن أنظمة جزائية صارمة وتحديد مدة محددة للحصول على الترخيص او رفضه,وذلك لتوسيع فرص مداخيل المجتمع واطراد التنمية، ولن يتأتى ذلك إلا من حسن الإدارة المتولّد منه الأمن النفسي المتولّد منه الأمل المتولّد منه اتقان العمل,, والله الموفق.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved