الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الغر المحجلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ائمة الامة في العناية بحسن تربية الاولاد، وتقويمهم على دين الله، وصيانتهم من البدع والمحدثات وأسباب الفساد، وبعده:
فإن الله ما اعطى العبد من نعمة الا ابتلاه بها، فإن شكرها زاده، وجعلها مسعدة له معاشه ومعاده، وإن كفرها أزالها عنه، وحرمه المزيد، وعرضه بها للعذاب الشديد (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وإن الله تعالى اوصى أهل الإيمان بأهليهم وأولادهم خيراً، ووعدهم على تنفيذ الوصية براً وأجراً (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) ونهاية ذلك اجتماع شمل الجميع في الجنة، يتمتعون فيها بأصناف النعيم، والوان التكريم، ورضوان الرب الرحيم، كما قال تعالى في اشرف الاذكار (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب, سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
إن من حقوق أولادنا علينا ان نحسن أسماءهم اذا ولدوا، وان نعفوا عنهم ونؤدبهم بأدب الاسلام، ونزوجهم اذا رشدوا، وأن ننشئهم على توحيد الله، ونجنبهم الشرك بالله، ونحبب لهم طاعة الله، ونملأ قلوبهم من خشية الله، ونعظم امامهم نعم الله، ونكفهم عن معصية الله، ونعودهم الوقوف عند حدود الله، وأن نعدل بينهم في الهدية والعطية، وان نحذر من الجور على أحد أو تفضيل أحد في الوصية، فإن تلكم الآداب والاحكام من مقتضيات ملة ابراهيم، وأخلاق شريعة محمد - عليهما من ربهما افضل الصلاة وأتم التسليم - قال تعالى: (ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه، ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين, اذ قال ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن وإلا وأنتم مسلمون),وقال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) الآية وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) وقال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع), وقال عليه الصلاة والسلام: (والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته),وكان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ما كتب الله له، ثم يوقظ نساءه ومن تحت يده، ويرغبهم في قيام الليل، ويبين لهم أنه من أسباب الستر في الدنيا والآخرة، ومنجاة من الفتن، وسبب لقرة العين في الآخرة، وكان ربيبه عبدالله بن أبي سلمة، يأكل معه، فلما رأى يده تطيش في الصحفة، قال له: (يا غلام، سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك), وكان أحد سبطيه الحسن والحسين طفلا يحبو، فأخذ تمرة من تمر الصدقة، وأدخلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كخ كخ، ثم أدخل يده في فيه، وأخرج التمرة منه ومعها دم)، شفقة عليه من الحرام، وقال له: (يا غلام، اما علمت ان الصدقة لا تحل لنا آل محمد)، والنصوص التي تبين عناية الله تبارك وتعالى، وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم في تربية الأولاد، وتقويمهم على خصال الاسلام، وحمايتهم من الحرام، ووقايتهم من موجبات الإثم أكثر من ان تستقصى فضلاً عن ان تحصر في مثل هذا المقام، يقول المولى - جل وعلا - في محكم كتابه العزيز: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم واشد تثبيتاً واذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيما، ولهديناهم صراطاً مستقيما، ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً), ومن هنا كان علينا جميعا - كآباء وولاة أمر - أن نعلم أبناءنا وأهلينا الخير، وان نؤدبهم، فلأن يؤدب الرجل ولده خير له من ان يتصدق بصاع، وما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن، ومن عال ثلاث بنات فأدبهن، وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة,, ألا وإنكم تدعون باسمائكم وأسماء أبائكم، فأحسنوا اسماءكم وفي الصحيح (إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وكم من والد يرفع درجة علية بشفاعة ابن صالح له، وكم من والد يكسى تاجاً في الجنة يأخذ ابنه للقرآن، وكما تحبون أن يكون أولادكم، فكن أنت إقبالاً وإدباراً، فإنما الولد سر أبيه، وقديما قيل: أشبع ولدك، وأحسن أدبه، واجمع له أدباً، ولا تكتسب له ذهباً.