ان حاجة الامة الى الوحدة الصحيحة على العقيدة السوية والمنهج القويم في هذه الحقبة فوق كل حاجة.
وان ما اصاب المسلمين يوم ان اصابهم حتى تحول حالهم الى ما نراه في هذا اليوم وما ذاك الا لاسباب اهمها:
بعدهم عن كتاب الله - تشتت وحدتهم -تفرق صفوفهم - ذهاب ريحهم - اختلاف كلمتهم.
وصدق الله اذ يقول :( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)
اما المخرج من هذه التيه، والخروج من هذا الضياع فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان بين ونبأ ان الامة ستواجه فرقة واختلافاً، ثم بين المخرج من ذلك، ففي الحديث الذي رواه الامام احمد، وابوداود، والترمذي وابن ماجة عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد فانه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة, فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الخلاف سيقع وان المخرج منه لزوم السنة.
ان المخرج لما حل بالامة اليوم هو في صراط اله المستقيم: (وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تهتدون).
وهذا الصراط نأوي فيه الى ركن شديد يعصمنا - بكل معنى العصمة يعصمنا - من الذلل والتفرق نأوي فيه الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع المسلمين وكل ذلك معصوم لا يزل ولا يضل من لزمه ولم يبرحه، فالقرآن الكريم محفوظ لم يفرط الله فيه من شيء، والسنة مثل القرآن ألا واني اوتيت القرآن ومثله معه .
والاجماع معصوم اذ لا تجمع الامة قاطبة على ضلالة.
ان هذا من المهمات التي يستطيعها كل واحد من هذه الامة، ان هذا من الامور التي يستطيعها آحاد المسلمين فضلاً عن النظم والمؤسسات بمعنى ان يتيقن عامة المسلمين وان يفقهوا معنى قول الله عز وجل (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى) ان حمل الامة، ودعوة الامة، ومناداة الامة وبث الوعي في نفوس ابنائها,, بان كل عقدة او مشكلة او فتنة او نازلة او واقعة او مصيبة لا ترد الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يجعل الظلام داامسا والمر علقما ولايزيد الأمة الا رهقا ولا يزيد الطين الا بله ولايزيد الامور الا تعقيدا فما من مصيبة لاترد الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانها تتضاعف وتتفرق وتنتشر وتتنامي ولا حل الا بالعودة الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم (واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تاويلا).
وان مما يعين على تحقيق هذه الوحدة:
- ان نعظم في النفوس شأن الانقياد والاستجابة لله ورسوله,
- ان نعظم في النفوس محبة الخضوع والتسليم للدليل بلا نزاع او جدال او تسويف، فلا ايمان الا بتسليم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم).
ان نعظم في النفوس هذا الاستسلام وهذا الانقياد وهذه الاستجابة: ( ربنا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)
- ان يعرف المسلمون من هم اعداؤهم، من هم الاعداء التاريخيون، ولو تلونت الوجوه، وتغيرت الاقنعة او تبدل السرج، وتغيرت المواقف.
فاذا عرفنا اعداءنا نسينا خلافات جانبية او جزئية فيما بيننا لنقف وقفة واحدة بغضبة وغيرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في مواجهة عدو لم يألو المسلمون خبالا ود عنتهم يعض عليهم الانامل من الغيظ، لا يفتا يتربص بهم الدوائر، وان تصب المسلمين حسنة تسؤهم وان تصب المسلمين سيئة يفرحوا بها.
- ان يقف وان يفقه كل مسلم ان الاخوة بين المسلمين لا يحدها او بحر او سهل او وعر، وان يفقه كل مسلم ان اخوانه المسلمين هن اطرافه وهم جوارحه، فمن سقي بسموم العصبية عبر اي وسيلة من الوسائل فليتقيأ ذلك السم وليشرب نمير الاخوة عذباً، وعسل المحبة مصفى، وان نشعر ان اخواننا المسلمين هم ايدينا وهم جوارحنا وهم اطرافنا، فاذا ثارت نعرات القومية والعصبية والبغضاء والتناحر ادركنا اننا ان نقطع فنقطع ايدينا، وان نبتر فنبتر ارجلنا، وان نطعن فنطعن افئدتنا وان نرق نرق دماءنا وان نزهق نزهق انفسنا، حينما يعظم في نفوسنا معنى الأخوة,, الأخوة لكل المسلمين بغض النظر عن الاتجاه او الجهة.
وحيث ما ذكر اسم الله في وطن
عددت ارجاءه من لب اوطاني
- ان مما يعين على تحقيق هذه الوحدة الا يؤخذ المسلمون بذنوب انظمتهم اذ لا تزر وازرة وزر اخرى.
- ومما يعين على تحقيق الوحدة نشر الوعي بكتاب الله والحاجة اليه، ونشر التحذير من فساد وخواء وافلاس الانظمة التي ما جرت على الامم الا فشلا بعد فشل وهزيمة بعد هزيمة وسقوطاً بعد سقوط.
فهل يعي المسلمون اليوم - مع اطلالة هذا العام الهجري الجديد - هذه العوامل في سبيل وحدة الامة الاسلامية؟؟ وهل يعي المسلمون اليوم سبيل النهوض بها,,؟؟!
الوقفة الثالثة: نبذ الخلاف وترك الاهواء:
ان على الامة الاسلامية - اذا هي ارادت العودة - ان تترك ما يعيقها ويؤخرها ويشل حركتها بين الامم وان عليها- اذا كانت تريد ان تعيد سيادتها وعزها وسؤددها - ان تنبذ الخلافات الجانبية بينها وان تترك العصبيات القبلية جانباً وان تتجرد من هواها ورغباتها وميولها النفسية، وتجرد مقاصدها لله سبحانه وتعالى، وتحكم شرع الله ثم تحكم عقلها السليم، وبذلك تستعيد هيبتها بين الامم وعزها وسؤددها.
ان ابناء الامة اليوم مطالبون جميعاً حكاما ومحكومين علماء ودعاة - ان يكونوا يداً واحدة وفي صف واحد ويتركوا الخلاف فالخلاف شر، وما وقع الخلاف في امة الا كان ايذانا بزوالها وهلاكها، ولقد حذر الله عز وجل من الاختلاف فقال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقال عز وجل: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم)
فاذا اردنا الخروج بحق من هذا التيه، وهذا التقهقر، وهذا التباعد فعلينا ان نتحد ونكون يداً واحدة كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
بعد كل هذا وغيره: هل يكون هذا العام الهجري الجديد عام خير وبركة ووحدة للامة الاسلامية وسبيل للنهوض بها,, ارجو ذلك وادعو ربي عسى الا اكون بدعائك ربي شقيا.
والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*إمام مسجد الرصيص الثاني بالرياض