عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد
دخل علي صديق لي يحمل في عينيه الخبر الذي كنت انتظر سماعه من كل طارق ورمي بنفسه على اريكة الدار يخفي معالم حزنه، اما انا فلم التفت اليه حتى لا يعكر علي صفو يومي فها هي سبابتي مازالت معقودة على آخر صفحة من (ذكريات علي الطنطاوي) سعيد بانهائها بعد ان انهيت قراءة غالبية كتبه فلم ار الشيخ شيخا متعاليا يحدثك من فوق منبره العاجي بل رأيته يمسك بيدك ويخاطبك خطاب الصديق صديقه والاخ اخيه ما احسست ابدا بمشيخته ولا استاذيته مع تقديري لهما.
غفلت عن صديقي ساعة ثم عدت اليه والكتاب في يدي احدثه عن هذا الرجل الاسطورة واعلمه انني قد عزمت السفر اليه في الاسبوع القادم بعد ان اعددت العدة للقائه وشحذت ذهني لمناقشته عن بعض ما كان يعترضني في كتبه وما كنت اتساءل عنه في ذكرياته, والتفتُ الى صديقي الذي لم يأبه بما اقول، وتابعت: عن اي شيء أسأله؟ انه دهر كامل وسجل زمان لحياة رجل دامت لاكثر من تسعين عاما، رجل ادرك بطول عمره الحربين العالميتين، ايه,, انها لحياة طويلة، فلما رأيت الحزن قد استبد بصديقي فتحت الكتاب ورحت أقرأ عليه من ملح طرائفه وسعيد ذكرياته علني ابدد جو حزنه واذا به يدخلني عالم الحزن من اوسع ابوابه بكلمة القاها نفضت على اثرها الكتاب من يدي، وبقيت في مكاني لاأنبس بحرف ولا ارتجع كلمة مما قال وانا على حال من يلقى عليه الحديث بلغة غير لغته ومنطق مغاير لمنطقه، واحسست كأن عقلي قد طار مع الطيور يطير معها اذا ارتفعت وينحدر معها اذا اسفّت، ولكني تملكت نفسي وابديت الجلد منها وحدثته حديث الواثق:متى كان ذلك؟ فأجابني: البارحة في الساعة العاشرة,حينها ضحكت ضحك اليائس,, أيموت الشيخ في الوقت الذي كنت اتحدث فيه الى بعض الاصدقاء عن حياة هذا الرجل وعزمي الذهاب اليه في الاسبوع القادم!!
تقضون والفلك المسير ضاحكا وتقدرون فتضحك الأقدار |
ايها المنصفون: لقد مات الشيخ وليس فينا من يثبت له فضل ادبه,, مات وليس في اذهاننا الا اسماء خالية لمن لا يستحقون التقديم ولا التكريم,, مات الشيخ بعد ان ظل حياته (يغني للحب، ويهتف للجمال، ويناجي معاني الخلود في سكرة الاحلام، ويترجم للناس حديث السواقي في أذن الزمان، ويتغلغل في ظلام الماضي، ويستشف حجب المستقبل، يرسم صورة المجد وتهاويل الاماني)، عاش عمره وهو يقرأ ما انقطع عنها الا في سفر او مرض - كما يقول - فما تظنونه حصل في 85 سنة من القراءة الواعية المثقفة في شتى العلوم، ألّف عشرات الكتب وخطب مئات الخطب ونشر آلاف المقالات، فما له اليوم يهوي كجندي مجهول في ساحة القتال لا يدري بموته احد.
يا شيخ,, أبليت حتى بليت فابق لنا رأسك.
د, عبدالعزيز فرج