Thursday 24th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 10 ربيع الاول


الإعلان الإسلامي
الدكتور : مصطفى رجب

*تاليف: على عزت بيجوفتش
*ترجمة:محمد يوسف عدس
مع شروق شمس العام الاخير من القرن العشرين، صدرت عن دار الشروق بالقاهرة الطبعة الاولى من هذا الكتاب الخطير للرئيس البوسنوي المجاهد علي عزت بيجوفتش الذي تجمع شخصيته النادرة بين صفات القائد المناضل، وصفات المفكر الذي استحق جائزة الملك فيصل العالمية بجدارة عن كتابه (الإسلام بين الشرق والغرب), ويستمد هذا الكتاب اهميته من ثلاثة جوانب:الاول:شخصية مؤلفه, والثاني: ما سببه هذا الكتاب من متاعب لمؤلفه والثالث:موضوع الكتاب نفسه وافكاره وسوف نتناول كل جانب من هذه الجوانب بشيء من التفصيل.
اولاً:من هو المؤلف؟
ولد علي عزت بيجوفتش عام 1925م, في مدينة (بوسنا كروبا) شمال غرب البوسنة من اسرة مسلمة عريقة حملت لقب (بك) الذي كانت الامبراطورية العثمانية تمنحه لكل من قدم خدمات جليلة لها, والترجمة الحرفية لاسم (بيجوفتش) اي (عزت بك), وتعلم على عزت في مدرسة ثانوية تسمى (الجمنازيوم) تعمل بالنظام الالماني شبه العسكري، ولكنه انضم الى جمعية الشبان المسلمين (ملادي مسلماني) التي اقتبس نظامها طلاب العلم المسلمون البوسنويون الذي عادوا من دراستهم في الازهر الشريف واتصلوا بجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة التي كانت قد تأسست في العشرينيات.
ثم التحق علي عزت بكلية القانون - جامعة سراييفو وظل مستمراً في عضويته بلجنة الشبان المسلمين, وفي ابريل 1941م, استولى جيش هتلر على يوغسلافيا فاحل فيها مكان الملكية جمهورية فاشية يحكمها الكروات, وكانت جمعية الشبان المسلمين تلتزم بسياسة خاصة تحرم على اعضائها الالتحاق بحركة الاستاشا النازية الموالية لالمانيا الهتلرية , ولهذا السبب عندما تقدموا للسلطات الجديدة لتسجيل جمعيتهم رفضت السلطات طلبهم, وتتضح حيوية هذه الجماعة في اتجاهها نحو تعميق فكرها ورغبة اعضائها في الانفتاح على الفكر العالمي، فكانت لهم خطط منظمة لتعلم اللغات الاوربية، وقد اشتملت قراءاتهم على مؤلفات محمد اسد في الاسلام باللغة الالمانية ضمن قراءات اخرىكثيرة, وكان من عادتهم ان يجتمعوا ليقرءوا معاً مايجري على الساحة من تطورات في اوضاع العالم الاسلامي, ومن خلال كتابات محمد اسد عرفوا كثيراً عن الحركة الاسلامية في باكستان، وكانت تحمل في طياتها املاً في وقت من الاوقات، وقد اشار اليها علي عزت في كتابه الاسلام بين الشرق والغرب وتعرض لجوانبها السلبية بالنقد مفصلاً في كتابه الاعلان الاسلامي .
انتهت الحرب العالمية سنة 1945 وخرج جوزيف بروزتيتو وحزبه من الحرب ليعلنوا سيطرتهم على السلطة، ويؤسسوا النظام الشيوعي في يوغسلافيا، وحوكم قادة المسلمين البارزون واعدم كثير منهم وتم اعتقال الفين من اعضاء جماعة الشبان المسلمين فارسل عدد منهم الى معسكرات العمل الشاق دون محاكمة، وحوكم البعض الآخر محاكمات صورية ثم وضعوا في السجون, واختفى بقية اعضاء الجماعة تحت الارض حيث اصدروا صحيفة سرية سموها مجاهد ، وسعى بعضهم للحصول على تدريبات عسكرية تحسباً من ان تقوم السلطات الشيوعية بتصفيات جسدية جديدة بين المسلمين, وفي سنة 1949 انقض عليهم تيتو مرة اخرى بقسوة اشد, وليس واضحاً تماماً اذا كان علي عزت قد اعتقل في التطهير الاول او الثاني، ولكن الثابت انه ظل مسجوناً حتى افرج عنه سنة 1954وكان عمره في ذلك الوقت تسعة وعشرين عاماً.
عمل علي عزت بعد خروجه من السجن محامياً متخصصاً في القانون التجاري لدى احدى الشركات، وفي غضون ذلك نشات بينه وبين حسين دوزو صداقة، وكان حسين دوزو قد تخرج من جامعة الازهر وعينته الحكومة اليوغسلافية رئيساً لجمعية العلماء، وكان حريصاً من جانبه على ان يقيم حواراً بين العلماء وبين المثقفين المسلمين, وقد اتيح لعلي عزت من خلال هذه العلاقة ان ينشر مقالاته في مجلة الجمعية المسماة تاكفين خلال عقد الستينيات واوائل السبعينيات, وبعد ذلك بدات مرحلة جديدة في حياة علي عزت بيجوفتش ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الكتاب، فقد كانت تلك المقالات التي تعود ان ينشرها باسم مستعار يتكون من ثلاثة الاحرف الاولى من اسماء ابنائه (ليلى - سابينا- بكر) وينشرها باسم (ل,س,ب) هي التي ادت الى محاكمته, ومن ثم فإننا نترك الآن متابعة سيرة حياته المعروفة لننتقل الى الجانب الثاني المتعلق بالكتاب وما سببه لمؤلفه من متاعب.
قصة الكتاب:
في سنة 1981 قام (بكر) بن علي عزت بيجوفتش بجمع مجموعة مقالات والده في كتاب اسمه (الاعلان الاسلامي) اثار نشره ضجة اعلامية ضخمة لا في يوغسلافيا فحسب بل في كل اوربا، ويحكي مترجم الكتاب قصة هذه الضجة والمحاكمة فيقول :في اوائل الثمانينيات كان يسيطر على يوغسلافيا مجموعة من غلاة الشيوعيين والقوميين المتعصبين هالهم احياء الفكر الاسلامي والعقيدة الاسلامية في البوسنة، فاخذوا يهيئون المسرح لعمليات قمع تستهدف وقف نمو شعبية العقيدة الاسلامية بين السكان المسلمين، فكان اول مافعلوه ان جاءوا بشيوعي من بين المسلمين هو درويش شوسيتش Darvis Susic وشجعوه على الكتابة ضد الحركة الاسلامية في صحيفة تسمى Oslobodjenje فاخترع حكاية ملفقة زعم فيها ان بعضا من رجال الدين المسلمين كانوا يتعاونون مع عصابات الاستاشا (الكرواتية- الالمانية) النازية خلال الحرب العالمية الثانية, ولكن صحيفة (الجمعية الاسلامية Preporod) ردت عليه بهجوم عنيف فندت فيه قصته الملفقة فجاء شيوعيون آخرون لمناصرته وتعزيز الحملة الدعائية التي بدأها من هؤلاء البروفيسور فؤاد محيتش من جامعة سراييفو، ثم دخل المعركة كبيرهم حمدي بوجيراتش وهو اعلى قيادة سياسية في الحزب الشيوعي بالبوسنة فشن سلسلة من الهجمات الخطابية على ماسماه الجماعة الاسلامية وفي غضون هذه الحملة الاعلامية الشرسة بدات الاجراءات القمعية ضد الانشطة الاسلاميةوانعقدت محكمة سراييفو سنة 1983 لمحاكمة ثلاثة عشر من المثقفين الاسلاميين اتهموا جميعا بالتمرد والقيام باعمال مضادة للثورة (والمقصود الشيوعية والنظام الشيوعي) وكان من بين المتهمين علي عزت بيجوفتش وثلاثة آخرون اعضاء في جمعية الشبان المسلمين كانوا قد عارضوا هجوم الشيوعيين على الاسلام في بداية الحكم الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية فلم ينس النظام هذا الموقف وساقه تهمة ضدهم في المحاكمة، ذلك الى جانب اتهامهم بإحياء نشاط منظمة ارهابية (يقصد جمعية الشبان المسلمين).
اما علي عزت فقد انفرد بتهمة اشد غلظة من الجميع حيث وجهت اليه تهمة انه دعا الى اقامة نظام ديمقراطي على غرار الديمقراطية البرلمانية الغربية، وكان اكبر دليل ضده هو نص كتاب الاعلان الاسلامي الذي وصفه وكيل النائب العام بانه منفستو اقامة دولة اسلامية في البوسنة مقتصرة على المسلمين , اجريت محاكمة صورية لعلي عزت وصحبه سنة 1983 وسمح لاصدقاء المتهمين واسرهم بحضور الجلسة الاولى ثم استكملت المحاكمة بعد ذلك في جلسات سرية سريعة، ويذكر الذين حضروا الجلسة الاولى ان علي عزت قام للدفاع عن نفسه، فلم ينكر انه مؤلف كتاب الاعلان الاسلامي وانه مسؤول عن محتوياته، وان الكتاب لايوجد فيه اشارة واحدة الى اقامة دولة عرقية مقصورة على المسلمين في البوسنة كما يزعم ممثل الاتهام، بل ان الكتاب ليس فيه ذكر للبوسنة او يوغسلافيا على الاطلاق، واكد علي عزت في دفاعه ان الكتاب معني بمشكلات المسلمين بصفة عامة وموجه اليهم، وانه من شان المسلمين ا لخاص في البلاد التي يشكلون فيها الاغلبية العظمى من السكان ان يختاروا- اذا شاءوا- نظاما اسلاميا للحكم، ولايصح عندئذ ان تتدخل الدول الغربية ضد هذه الرغبة، غير ان المحكمة لم تلتفت الى هذا الدفاع واعلنت احكامها (الجاهزة) بالسجن على المتهمين مددا تتراوح بين خمس الى خمس عشرة سنة، ثم خفضت الى احدى عشرة سنة بعد التظلم, ولكن علي عزت لم يقض هو وصحبه من هذه المدة سوى ستة اعوام فقط حيث استؤنفت المحاكمة مرة اخرى سنة 1989 فبراتهم المحكمة وردت اليهم اعتبارهم، كان ذلك بفضل جهود منظمة تسمى منظمة التنسيق اليوغسلافي لحقوق الانسان فقد تبنت القضية وشكلت لجنة لتقصي الحقائق والاتصال بالشهود، وانتهت الى وضع تقرير مفصل اثبتت فيه الحقائق التالية:
ان المحاكمة كانت محاكمة سياسية ملفقة تمت على نمط المحاكمات الستالينية المعروفة، وان تلفيق المحاكمة قد تم بواسطة عناصر كثيرة منها: التحقيق البوليسي بدلاً من التحقيق القضائي، والحد من حقوق المتهمين في الدفاع عن انفسهم، وسرية المحاكمة، وتشويش الراي العام بشكل تام، وتلفيق الادلة، وتزوير شهادة الشهود الذين اعترفوا بانهم لقنوا اقوالاً من قبل رجال الشرطة وتعرضوا لتهديدات ارهابية اذا لم يدلوا بهذه الاقوال امام المحكمة، وان الذين كانوا وراء المحاكمة هم برنكوميكوليتش وحمدي بوجيراتش وهما رأس النظام في البوسنة في ذلك الوقت، وكان المنظم المباشر لهذه المهزلة هووزير الداخلية دوشكو زخونيانين .
ثالثاً:محتويات الكتاب:
يشتمل كتاب الاعلان الاسلامي على مقدمة وثلاثة فصول وخلاصة، يحدد المؤلف في مقدمته الجمهور الذي يتوجه اليه بالخطاب، ويقرر ان الكتاب لايخاطب غير المسلمين ولا الذين يتشككون في تميز الاسلامي عن النظم او المدارس الفكرية الاخرى، انما يخاطب المسلمين الذين يدركون حقيقة انتمائهم للاسلام، والذين تحدثهم قلوبهم حديثاً صريحاً واضحاً عن طبيعة ولائهم للاسلام، ومهمة الكتاب بعد ذلك انه يكشف لهم النتائج التي تترتب على هذا الموقف الذي التزموا به.
وفي الفصل الاول يشخص المؤلف ظاهرة التخلف بين الشعوب الاسلامية، وفي الفصل الثاني يتناول طبيعة المشروع الاسلامي او النظام الاسلامي الذي يدعو اليه ويوضح ابعاده وعناصره، وفي الفصل الثالث يعالج المشكلات الاساسية التي تواجه النظام الاسلامي, يرى علي عزت ان النهضة الاسلامية تصطدم بنوعين متضادين من الناس ولكن بينهما عنصر مشترك وهما: المحافظون الجامدون على الاشكال القديمة، ودعاة الحداثة الذين يتطلعون الى الاشكال الاجنبية.
اما العنصر المشترك بينهما فهو النظرة القاصرة احادية الجانب الى الاسلام، حيث يعتبر انه مجرد دين، بمعنى انه مقتصر على الحياة الروحية للفرد، ولاشأن له بتنظيم الحياة الدنيا.
ويلاحظ علي عزت ان دعاة الحداثة هم الذين يهيمنون على الحكومات وعلى التعليم والحياة العامة في البلاد المسلمة، ويكشف لنا عن سمة تميزهم وتيسر لنا التعرف عليهم : فهم يفخرون بما كان يجب ان يخجلوا منه، ويخجلون مما كان يجب ان يفخروا به، لقد جلبوا الى اوطانهم افكارا ثورية اجنبية وبرامج اصلاح ومذاهب انقاذ موصوفة لعلاج كل المشكلات، فاذا تأملنا مليا نجد -لدهشتنا- نماذج لايصدقها عقل في قصر نظرها وارتجالها, ويقارن علي عزت بين فلسفتي الاصلاح التي تبنتها كل من اليابان وتركيا تحت نظام كمال اتاتورك ويكشف لنا عن الاسباب التي جعلت من اليابان تنجح وتنطلق الى قمة المجتمعات المتقدمة بينما انحطت تركيا الى دولة متخلفة من دول العالم الثالث، وينبه- في هذا المجال- الى حقيقة ما تعانيه الشعوب اليوم بسيرها على النموذج التركي في الاصلاح، حيث ضاعت هويتها وفقدت استقلالها واصبحت عالة على الدعم السياسي والاقتصادي لدول الغرب.
وينتهي على عزت الىنظرية بالغة الاهمية حيث يرى ان جميع نجاحاتنا واخفاقاتنا في الاخلاق والسياسة انما هي مجرد انعكاس لفهمنا للاسلام وللكيفية التي طبقناه بها في الحياة لقد كان ضعف تأثير الاسلام في الحياة العملية للمسلمين مصحوبا دائما بانحطاطهم وانحطاط مؤسساتهم السياسية والاجتماعية وتاريخ الاسلام كله منذ بدايته الى يومنا هذا يؤكد هذا التطابق كأن هذا التطابق هو المصير الذي لامناص منه للشعوب المسلمة واحد قوانين التاريخ الاسلامي نفسه .
ويرتبط بهذه النظرية تأكيد علي عزت ان القرآن هو الفكرة المركزية في الايديولوجية الاسلامية والممارسة الاسلامية ويرى ان اشكالية القرآن في المجتمعات المسلمة ترجع الى ان هذه المجتمعات تتعلق به تعلقا عاطفيا ولكنها لاتستطيع تطبيقه في حياتها وهنا يكمن الفصام بين الكلمة والفعل في العالم المسلم وينسب ظواهر الفساد والانحراف والسطحية والتنطع والتخلف جميعا الى هذا التناقض الاساسي بين حماسنا المشتعل تجاه القرآن وبين الإهمال الكامل لمبادئه في الممارسات العملية.
ويرى علي عزت ان اسوأ الملامح في اوضاع المسلمين العامة يتمثل في تلك الفجوة المأساوية بين النخبة المهيمنة وبين الشعوب في البلاد المسلمة وان افتقاد التوافق بين عناصر الفكر والقيادة من ناحية وبين الجماهير من ناحية اخرى يخل بالشرط الاول لاي انجاز عظيم ويرجع السلبية واللامبالاة لدى جماهير المسلمين الى وجود هذه الفجوة، ويرى ان اي برامج اصلاح لن يكتب لها النجاح ابدا اذا كانت معادية للاسلام متجاهلة لمشاعر الجماهير المسلمة، وستجد النخبة من دعاة الحداثة انهم يضربون برؤوسهم في صخرة الرفض العنيد واللامبالاة الدفينة من جانب الناس البسطاء الذين يشكلون الغالبية العظمى من الامة, ويؤكد علي عزت ان النظام الاسلامي لا يمكن اقامته بدون مجتمع اسلامي كشرط اساسي والا تحول هذا النظام الى عنف وقسوة وقهر واستبداد.
موقف الكتّاب الغربيين من الكتاب:
لقد هوجم هذا الكتاب على نطاق واسع في الصحافة الغربية وقام كاتب مجهول بتحريفه والتشهير به بوصفه دعوة للارهاب، وقد استعرض مترجم الكتاب- باستقصاء رائع وامانة علمية متفردة- الحملات التي تعرض لها الكتاب على ايدي متعصبي الصرب ومناصريهم من صحفيين وكتّاب اوربيين, كما تعرض مترجم الكتاب- في مقدمته الرائعة التي اضافت قيمة كبيرة للكتاب ذاته- لموقف اثنين من مفكري الغرب انصفا هذا الكتاب وهما هاري ثيرول نوريس الاستاذ بجامعة لندن، ونوبل مالكوم صاحب كتاب (البوسنة: تاريخ موجز).
يقول هاري ثيرول نوريس: ان هذا الكتاب ابعد مايكون عن الاصولية فهو يحدد موقف المسلمين من العالم المسيحي تحديداً منطقياً واضحاً حيث يقول علي عزت: نحن بالنسبة للمسيحية نفرق بين تعاليم المسيح والكنيسة، اما تعاليم المسيح فهي وحي من الله لحق به تحريف في بعض مواضعه واما الكنيسة- وقد اصبحت مؤسسة قائمة علىنظام كهنوتي هرمي ذات مراتب ودرجات- فقد اصبحت بتنظيمها وسياساتها وثرواتها ومصالحها لاضد الاسلام فحسب بل ضد المسيح نفسه، وان اي شخص يراد منه ان يحدد موقفه تجاه المسيحية فمن حقه ان يسأل: هل المقصود بالسؤال تعاليم المسيح ام محاكم التفتيش؟ ذلك لان الكنيسة خلال تاريخها كانت تتأرجح دائماً بين هذين القطبين,, فكلما اقترتب من التعبير عن تعاليم الانجيل الاخلاقية كانت بعيدة عن محاكم التفتيش ومن ثم اقرب الى الاسلام واننا نقدر الاتجاهات الجديدة التي اعلنها مؤخراً مؤتمر الفاتيكان حيث نرى فيه اقتراباً من المعتقدات المسيحية الاصلية ومن الممكن - اذا اراد المسيحيون- ان يشهد المستقبل فرصة للتفاهم والتعاون بين الديانتين العظيمتين لصالح الشعوب ولصالح الانسانية بصفة عامة خلافاً لما كان يحدث في الماضي من معارك بدافع التعصب والصراع الاحمق .
اما نوبل مالكوم فقد خصص عدداً من الصفحات في كتابه (البوسنة: تاريخ موجز) لعرض وتحليل كتاب الاعلان الاسلامي دحض فيه الاتهامات الموجهة اليه بمنطق قوي واضح حيث يقول ان هذا الكتاب بحث عام في السياسة والاسلام، يتجه الى العالم الاسلامي بصفة عامة فليس مخصصاً للبوسنة وليس فيه اي ذكر لها على الاطلاق,, ويبدأ علي عزت بعنصرين اساسيين هما المجتمع الاسلامي والحكومة الاسلامية وهو يؤكد انه لايمكن اقامة حكم اسلامي الا ببناء مجتمع اسلامي كأساس يقوم عليه هذا الحكم، وهذا المجتمع بدوره لايمكن ان يتوافر الا اذا كانت الاغلبية المطلقة من السكان مسلمين مخلصين لاسلامهم ممارسين لشعائره ملتزمين بأخلاقياته وبدون هذه الاغلبية يتقلص النظام الاسلامي الى مجرد قوة او سلطة عارية ومن السهل حينئذ ان يتحول الى نظام استبدادي ويعلق مالكوم على ذلك قائلا: ان هذا الشرط يلغي تماما فكرة اقامة حكومة اسلامية في البوسنة حيث ان المسلمين فيها لايشكلون الاغلبية بل هم اقلية (45%من السكان) ثم يمضي مالكوم قائلاً: ان القضايا التي يناقشها علي عزت في معظم الكتاب تتعلق بطبيعة النظام السياسي الاسلامي ولاتنطبق على حالة البوسنة، وعندما يقول علي عزت مثلاً لايوجد سلام ولاتعايش بين العقيدة الاسلامية وبين المؤسسات الاجتماعية والسياسية اللا إسلامية (وهي عبارة طالما اقتبسها الصربيون في دعايتهم السياسية المضادة) عندما يقول هذا فانه يشير الى دول بها مجتمع اسلامي وحجته ان هذا المجتمع لن يقبل ان تفرض عليه مؤسسات ضد اسلامية ثم يمضي قائلاً: ولايكاد يجد القارىء في هذا الكتاب شيئا ينطبق على الوضع السياسي للبوسنة سوى في فقرة واحدة هي ان الاقليات المسلمة في مجتمعات غير اسلامية- طالما انهم يتمتعون بالحرية الدينية وبالحياة والنمو الطبيعيين- فإنهم لابد ان يكونوا مخلصين ملتزمين بتنفيذ واجباته تجاه هذه المجتمعات، الا في حالة الاساءة الى الاسلام والمسلمين وينتقل مالكوم ليناقش تهمة الاصولية فيقول ان بعض العبارات التي سيقت في هذا الكتاب ووصفت بأنها اصولية سنجد انها عبارات تقليديةثابتة في العقيدة الاسلامية لايمكن لمسلم مخلص لدينه ان ينكرها فقد كتب علي عزت لابد للدولة الاسلامية ان تحرم الخمر والدعارة والاباحية وحجته في هذا ان الاسلام ليس مجرد مجموعة من المعتقدات الدينية الخاصة ولكنه طريقة حياة ذات ابعاد اجتماعية وسياسية, ثم انه يؤكد على ان الاخوة بين المؤمنين بالعقيدة الاسلامية (او الامة) تتجاوز الحدود القومية وليس في هذا كله ما يبرر الوصف بالاصولية، بل ان مصطلح الاصولية نفسه مصطلح مائع وانطباعي (سهل القولبة) ولايستخدمه اساتذة الدراسات الاسلامية الذي يعنيهم ان يفرقوا بين انواع من الحركات الاسلامية التي تتدرج في موقفها بين المحافظة والاعتدال والتطرف والعداء للحداثة ولكننا نجد السياسيين والصحفيين يستخدمون (الاصولية) لتجمع عددا من الصفات من بينها الجمود والتطرف، اما الزعم بأن اقامة السطلة الاسلامية كغاية يبرر استخدام اي وسيلة ممكنة فان علي عزت يرفض بوضوح تام هذا الاعتقاد.
***
وتبقى كلمة:
بقدر ما يستحق مترجم هذا الكتاب ثناء عاطرا على جهده الكبير في التحليل والترجمة والتقديم الوافي، ينبغي توجيه العتاب لاعلامنا العربي والاسلامي لعدم تسليطه الضوء على هذا الكتاب الشديد الاهمية لكل مسلم,, ألا هل بلغت,, اللهم فاشهد.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
الاســـواق
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved