Thursday 24th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 10 ربيع الاول


الأدب عملية استكشاف
ترجمة د, عزت خطاب
د, نذير العظمة

صدر كتاب الأدب عملية استكشاف من تأليف السيدة لويز روزنبلات ترجمه عن الإنجليزية الدكتور عزت بن عبدالمجيد خطاب عن النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود 1419ه - 1998م, وهو كتاب في النقد الأدبي تكوّن لدى المؤلفة من تجربة عملية في تعليم المادة على مستوى الثانوية والكلية, وانطلق من ابعاد معرفية جديدة في تقويم الموضوع من زوايا مختلفة ومن خلفيات فلسفية براغماتية بيداغوجية (تربوية) متأثرة بفلسفة جون ديوي صاحب الذرائعية في الفكر الفلسفي، ومن خلال بحث ميداني منظم.
لقد أحسنت صنعا دائرة النشر العلمي في جامعة الملك سعود بأن أولت اهتماما ملحوظا لترجمة ونشر أعمال نقدية مهمة, استفاد منها طلابنا ذوو الاختصاص ولاسيما في أقسام الأدب والنقد والأدب المقارن، وكلها ترجمات أكاديمية محكمة، قام بها أساتذة مختصون من قسمي اللغة الإنجليزية واللغة العربية من جامعة الملك سعود.
من هذه الترجمات كتاب بلاغة الفن القصصي ل وين بوث ترجمه الأستاذان الدكتوران أحمد خليل عردات وعلي بن أحمد الغامدي.
وهو كتاب مهم في حقل السرديات سد فراغا لدى المعنيين بالفن القصصي, لا من حيث معاييره وتطلعاته الحديثة فحسب، بل من حيث أفقه واتساع منظوره في المادة المدروسة والمنهجية المعتمدة.
ومن هذه الترجمات أيضا كتاب الدور العربي في التاريخ الأدبي للقرون الوسطى تراث منسي تأليف ماريا روزا مونيكال, ترجمه الدكتور صالح بن معيض الغامدي، وقامت لجنة مختصة بمراجعته وتحكيمه, وهو في الدراسات المقارنة يسلط الضوء على علاقات الأدب الأوروبي ابان النشأة بالأدب العربي, وهو من أهم الدراسات الأكاديمية في هذا الخصوص.
أما الكتاب الذي نحن بصدده الآن والذي ترجمه الدكتور الخطاب فيتألف من مئتين واثنتين وسبعين صفحة, وهو عبارة عن أربعة أبواب وثمانية فصول مع مقدمات وخاتمة وملحقات.
ويدور الباب الأول من الكتاب حول مجال الأدب بفصلين اثنين يبحثان تحديات الأدب، والتجربة الأدبية.
أما الباب الثاني من الكتاب، فيبحث الأساس الإنساني للحساسية الأدبية بثلاثة فصول في مجال التلقائية، وما يأتي به الطالب لدرس الأدب وتوسيع الإطار.
ويبحث الباب الثالث من الكتاب في الحساسية الأدبية كمصدر للتبصر، بثلاثة فصول في بعض المفاهيم الاجتماعية الأساسية، والشخصية والعاطفية والتعقل.
بينما يدور الباب الرابع حول تأمل الماضي واستشراف المستقبل.
وكتاب الأدب عملية استكشاف تكرر اصداره وتجديد طبعه منذ أواخر الثلاثينيات حتى الطبعة التاسعة التي اعتمد عليها الدكتور عزت خطاب، وقد أضافت إليها المؤلفة مرئياتها الجديدة حول الموضوع في باب اضافي.
تمتاز ترجمة الدكتور عزت خطاب لكتاب روزنبلات بصياغة عربية سليمة تستوعب الأصل الإنجليزي استيعابا دقيقا ثم تؤديه بلغة عربية لا تنقل المعنى فحسب، بل تحافظ على موضوعيته بصياغة لا تقل دقة عن الأصل، رغم الفارق بين اللغتين العربية والإنجليزية.
فالمفردة ونظام الجملة وسياق الفقرات استلزمت من الدكتور خطاب تركيزا وقصدا ليخرج بترجمة عربية لعمل علمي نقدي يهدف إلى غايات تربوية أدبية.
غير أنني لاحظت أن الدكتور خطاب يعرف بعض بمساحة الكتاب المترجم والقاعدة النحوية هي أن بعض وغير من النكرات وتعريفهما بأل لا يجعلهما معرفة، والأصح اضافتهما إلى الضمير إذا أردنا أن نعرفهما.
فترجمة لقد قرر البعض مثل هذه الكتابات (ص 194) الأصح أن يقول لقد قرر بعضهم,, أما قوله في صفحة أخرى من الكتاب (208) ويحفز بعضهم البعض نحو تفهم أكثر وضوحا فالأصح أن يقول ويحفز بعضهم بعضا,,
وهذا الخطأ الشائع في استخدام بعض على هذه الشاكلة يمكن تداركه وقد تكرر ذلك ونحن نكتفي منه بهذين النموذجين لفتاً لانتباه المترجم.
كما نلفت انتباهه إلى سهو في ثبت المحتويات حين استخدم الفصل مرة بمعنى الفصل وأخرى أحل الفصل محل الباب, فالكتاب أربعة أبواب تتألف من فصول، والدكتور بدأ الباب الأول بترجمة صحيحة أي الباب، أما الباب الثاني والباب الثالث والباب الرابع فسماها الفصل الثاني والفصل الثالث والفصل الرابع.
وهو سهو على الأرجح لأن الدكتور خطاب في متن الكتاب وعناوين أبوابه عاد فسمى الباب بابا والفصول فصولاً, وبذل الدكتور خطاب عناية واضحة في نقل المصطلح في المتن وجعل له ثبتا في ملحقات الترجمة، أولاً عربي انجليزي وثانيا انجليزي عربي.
كما أضاف في الملحق كشافا للموضوعات والأسماء مرتبا ترتيبا أبجديا, والكتاب الأصل ينطوي على الكثير منها فالمؤلفة لا تفصل الأدب عن المعارف الإنسانية الأخرى,, بل تضعه في سياق ثقافي معها, والكتاب غني بالأعمال والأسماء الكثيرة التي لا تقتصر على الروائع الأدبية في مختلف العصور، بل تتعداها إلى ما يتصل بها من مؤلفات في المعارف الأخرى ذات الصلة لعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الإنسان وموضوعات ثقافية أخرى.
وأضاف الدكتور خطاب هامشا منظما غنيا يحيل إلى مصادر مختصة علمية يعرف القارىء بالموضوعات والأسماء على حد سواء، دون حشو، تعريفا موضوعيا, وإذا كانت الترجمة بحد ذاتها إنجازاً طيبا فإن الهوامش التي أضافها المترجم جعلت من مؤلف روز نبلات نصا عربيا بمتنه وإشاراته على تعددها وكثرتها, وهكذا فإن الحس الأكاديمي والمسؤولية الأخلاقية تجلت في تعامل الدكتور خطاب مع تحويل نص الكتاب الإنجليزي إلى كتاب عربي من غير أن يسمح المترجم لنفسه برخصة التصرف إلا في حدود الصياغة الملتزمة بالأصل.
ترفض السيدة روز نبلات أن تنظر إلى الأدب كمادة روتينية وتضعه في سياقه الإنساني والاجتماعي والجمالي والمعرفي, وإذا كانت الخطوة الأولى في تدريس الأدب هي أن يعد المدرس قائمة للأعمال الأدبية المختارة وأن الخطوة الأهم هي أن نعود في دراستنا للأدب إلى الخبرة الإنسانية ونمو الشخصية وتبصرها وتوازنها بين العاطفة والعقل واستمتاعها بجمالية الأدب ووظيفته المعرفية في إطار اجتماعي.
وألا يفرض المسؤولون عن تدريس مادة الأدب تفاسير جاهزة للأعمال الأدبية التي شهدت رواجا على مدى العصور، وأن تفتح الفرص أمام الدارسين أن يستنبطوا تأويلهم لهذه الأعمال من خلال خبرتهم بها, بينما كانت المدرسة الأرسطية الجديدة للنقد المتمركزة في شيكاغو من الولايات المتحدة دائمة البحث عن المعنى الواحد والجوهر الفرد للعمل الأدبي، وبهذا منحت روزنبلات للقارىء دوراً لم يكن له من قبل دون أن تتورط بعقيدة موت المؤلف التي جاء بها البنيويون من بعد، واكتفت بتعدد القراءات دون أن تسطو على ملكية المؤلف للنص.
وهذا التحول من النص إلى القارىء جعلها تؤمن أن الأدب عملية استكشاف متجددة معرفيا وجماليا من كائن إلى كائن ومن عصر إلى عصر مما سمح لفكرة تعدد القراءات أن تنمو في اتجاهات متعددة في حركة النقد الحديث, ورغم أن المؤلفة كانت تستكشف إمكانات التعدد في رؤية النص الواحد وتفسيره من خلال حساسيات معرفية وجمالية للشخصية الإنسانية تفسيرات متنوعة إلا أنها كانت تتعامل مع مادة الأدب إجرائيا وتطبيقا من منظور بيداغوجي تربوي في تعليم المادة، إلا أنها لامست مبكرة منذ ثلاثينيات هذا القرن حقائق نقدية ادعت احتكارها حركة النقد الحديث فيما بعد، دون أن تشير إلى سبق السيدة روز نبلات في هذا المجال.
صحيح أنها استخدمت مصطلحا مختلفا ولكنها وقعت على الحقائق ذاتها والمكتشفات عينها، ووصلت إلى المعرفة التي وصلت إليها الدراسات النظرية.
إن نظرتها إلى الأدب في إطار التعامل يذكرنا بالتداولية وأهمية الأدب في السياق الاجتماعي والبراغماتي الذرائعي، التي أصبحت اتجاها منهما فيما بعد في حركة النقد الحديث.
وعزوفها عن التفسيرات الجاهزة للأعمال الأدبية ودعوتها إلى مبادرات الفرد في تعامله معها مهَّد لنظرية النص المفتوح وتعدد القراءات بتعدد القراء، وإن اقتربت من هذا الموضوع اقترابا اجرائيا بينما انهمكت جهود حركة النقد الحديث في التنظير لذلك.
كما أن تأكيد السيدة روز نبلات على أهمية القارىء مهَّد الطريق لنشوء مدرسة التلقي في النقد الحديث التي فلسفتها ونظرت لها الدراسات الألمانية منذ السبعينيات من هذا القرن.
لقد انتفعت بجهود السيدة روز نبلات واستفادت منها حركة النقد هذه باعتراف متأخر لبعض أعلامها بشيء من العقوق أو النسيان أو التناسي المقصود لجهودها المستديمة في اعطاء الأدب قيمته الحقيقية في الأطر الجمالية والمعرفية والاجتماعية والحضارية، إلا أن المؤتمرات الأدبية والنقدية حول اللغة الإنجليزية والأدب كمادة للتدريس ظلت تدعوها إلى آخر الشوط، مما دفعها إلى تطوير وانفتاح بعض آرائها ومرئياتها في هذا الخصوص، ودفعها إلى إضافة مرئيات جديدة في كتابها في الطبعات المتلاحقة، وعطفت على إعادة تقييم موقعها من خلال النظرية والتطبيق في مجال النقد والأدب كمادة للدراسة في السنوات الأخيرة.
وهكذا فإن الدكتور عزت خطاب أتاح لنا في ترجمته لكتاب روز نبلات أن نتكلم لا عن صياغته لأفكارها فحسب، بل عن هذه الأفكار عينها ومنزلتها من الحركة النقدية الحديثة، إن كل باب من أبواب الكتاب الأربعة يحتمل مقالة مستقلة، بل إن كل فصل من فصوله الثمانية يستحق التفنيد والتفصيل، لكننا اكتفينا بالأضواء العالية في مراجعتنا النقدية هذه للكتاب كمادة مترجمة وكرؤية حضارية معرفية وجمالية للأدب.
ورغم أن كتاب السيدة روز نبلات ظل مرجعا مستمرا لمدرسي اللغة والأدب بالانجليزية منذ الثلاثينيات من هذا القرن، إلا أنه ذو فائدة مماثلة في اللغة والأدب في الطبعة العالمية يستفيد منه العربي والفرنسي وغيرهما، ولكن خارج النطاق التربوي والبراغماتي تظل مرئيات وآراء السيدة روز نبلات سابقة لكثير من اكتشافات النظرية النقدية باعتراف بعض ذويها، إن كتابها المفيد والممتع في حلته الإنجليزية وجد توأمه العربي المناسب في ترجمة الدكتور عزت خطاب رغم هنات هينات.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
الاســـواق
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved