,* كتب محمد المنيف
يحظى فن النحت المعاصر في مسيرة الفن التشكيلي السعودي بمساحة لا بأس بها إذا قيست بالكم مقارنة بالأعمال الزيتية التي تزدحم بها المعارض ولكن يمكن القول ان هذا الفن النحت يقف بالكيف في مصاف المنافسة مع الاعمال الاخرى بل نجده احيانا كثيرة يتفوق عليها,, فكثير من المعارض تقدم اعمالا متعددة في مجالات الرسم او التصوير الزيتي لا يجد الا القليل منها اهتمام الزائر بينما ان هناك عملاً او اثنين من اعمال النحت تثير الاعجاب والدهشة وتفرض على المشاهد الوقوف والتأمل.
واذا وضعنا هذا الابداع تحت مجهر التحليل لا النقد فإننا سعداء بما يتم تقديمه رغم ضآلة العدد وتحديده في اسماء لا تتعدى احصائيتهم اصابع اليد وقد يتساءل البعض عن أسباب هذه الضآلة ويمكن لنا ايضا ان نتوقع ان في مقدمتها محدودية فهم أساليب وأدوات التعبير عند غالبية الفنانين ومن جانب آخر صعوبة الخوض في مثل هذه التجربة نتيجة لصلابة المادة التي يعتمد فيها على الابداع كالحديد او الخشب او الحجر او معالجة الطينة ومن ثم المرور بها على مراحل الصب بالبرونز وخلافه - والحاجة لمعامل او ورش او افران ورغم هذه المعوقات او تلك الا ان هناك تحركاً هادئ الخطوات بدأ يأخذ موقعه في افقية تجاه مسيرة التشكيل السعودي والمتمثل في وجود نخبة من النحاتين اقتحمت اعمالهم مشاعر الحضور من مرتادي المعارض التشكيلية ووجدت تلك الاعمال نجاحا بارزا في المعارض الدولية فمنحت لهم الجوائز - وهذا مؤشر رائع ومحفز لوجود آخرين ستكشفهم الايام القادمة - فالحركة التشكيلية السعودية في حاجة ماسة للتنوع في مجالات التعبير وباسلوب راق يتعدى ما يراه البعض بديلا حينما تقبل اعمال تطبيقية مدرسية التنفيذ لطلاب الجامعات بينما يتوارى من يمتلك القدرات النحتية.
الفنان والنحت
لا يختلف اثنان على ان العلاقة بين فنان التصوير الزيتي وفنان النحت لكل منهما احاسيسه نحو الخامة التي يتعامل بها فالمصور الزيتي صلته المباشرة مع الالوان والخطوط وتعامله يبدأ مع الفراغ ثم يقوم بتوزيع العناصر من مساحات لون او كتل وسيطهما الفرشاة او القلم,, بينما النحت فإن الفنان يتعامل مع الكتلة اولا ثم يبدأ بمعالجة الفراغ,, والبحث عن كوامن الجمال فيه اضافة الى معالجة الملامس وكيفية مساقط الضوء وتأثيرها على جزئيات وثنايا فراغات الكتلة بعد صياغتها,, ولا يأتي ذلك التكامل مع انجاز العمل إلا من خلال مراحل مهمة في مقدمتها الرؤيا الابداعية ومرورا بالعقل ثم بالاداء, وكلما كانت الرؤيا مملوءة بمختزلات استلهمت من محيط الفنان ووجدت عقلا إبداعيا يحولها الى معان ورموز جمالية لا ينفصل بقدر ما تكمل الاحساس بالجمال فإن العمل النحتي سيكون سليم الولادة والبناء.
واذا حاولنا الاقتراب قليلا من واقع هذا الابداع نجد ان غالبية فنانيه وخصوصا المعاصرين منهم امثال هنري مور والفنانة,, هاربيت هوسمار - وآرب - يضعون للواقع بكل معطياته ملامح مهمة في إبداعاتهم الا ان العقل المبتكر والمطور والمعاصر عند هؤلاء العباقرة احال اعمالهم الى قطع جمالية جديدة اضفت على الطبيعة المحيطة بها في الميادين وخلافها جمالا فوق جمال وهنا يبرز لنا دور فنان النحت كما جاء في قول الفنانة نيفلسن العالمية الروسية الاصل - بان الفن موجود في كل مكان ولكن عليه ان يمر من عقل المبدع اولا والفنان لا يستحق لقبه الا اذا وجد اسلوبه الخاص.
هذه هي حقيقية اي إبداع تشكيلي وحقيقة النحت بشكل خاص,, والواقع ان فن النحت يعتبر الشقيق الروحي لفن العمارة نتيجة لاسلوب البنائية التي يعتمد فيها الفنان على تشكيل عمله النحتي بأي خامة كانت,, فالنحات يضع في مخططاته ورسومه الاولية الاحساس والمحافظة على البنائية وهنا وجب عليه دراسة الموقع الذي سيقام فيه ذلك الشكل او المكان الذي يتوقع وضعه فيه - حتى يكون منسجما مع محيطه.
واهم من هذا وذاك هو الفكر والهدف الذي سيقوم بتشكيل القطعة من اجله لا ان تأتي جزافا كما نشاهد الكثير منها والتي اعتمد فيها الفنانون على ضربة الحظ او ما يمكن ان تؤول اليه النتيجة دون تخطيط مسبق.
كما لا ننسى أهمية الخامة كالخشب او الحديد او الحجر والهدف من استخدامها فلكل منهما تفاعله وسهولة تكوينه وامكانية الوصول به الى الفكرة او الهدف, فهناك فكرة ما يمكن تنفيذها بالحجر بينما لا يمكن تنفيذها بالحديد وهكذا,.
إبداعات الفن السعودي في النحت.
قبل الختام علينا ان نعرج قليلا على اسماء تواجدت من خلال ابداع النحت السعودي في مقدمتهم المرحوم عبدالله العبداللطيف استاذ النحت ثم تلاه اسماء كثيرة منها من مارس العمل بشكل جاد امثال الفنان علي الطخيس واحمد الدحيم ونبيل نجدي وعبدالرحمن العجلان وزكي نواوي ومنهم من يظهر بشكل متقطع وخجول في المعارض الجماعية - ويتميز النحت المحلي بتنوع الاتجاهات والاساليب التي لا زالت مرتبطة بالتقليد في اغلب الاعمال للمدارس الغربية وهذا امر طبيعي نتيجة الاطلاع والتعرف على إبداعات الآخرين الا ان هناك مؤشرات لوجود خصوصية محلية في معالجة الكتلة وتسخيرها للتعبير عن رموز التراث او استلهام الواقع البيئي ورموز العمارة, ونقترب قليلا نحو هذه الميزات او هذا التنوع ونستعرض اعمال الفنان علي الطخيس,, وايحاءاته الرمزية في بداية عطائه وخصوصا تشكيل الحرف العربي هدف منه الفنان تقريب وجهة النظر لجمهور العامة ممن يتعامل مع المضمون المباشر وهذا ما يعاب على الكثير من الفنانين بينما نجد اعمال زكي نواوي تتجه نحو التلقائية في معالجة اجزاء من شكل كان قد تشكل من قبل واعتمد الفنان فيه على رؤيته وتخيله ومن ثم كيفية نقله الى حالة اخرى ووضع آخر يتلاءم مع الهدف اما الفنان نبيل نجدي ففي اعماله فنتازيا جميلة اكد فيها على أهمية ديناميكية الفنان ووجوب تنقله من خامة الى اخرى والتعبير عن فكرته التي تظهر دائما بشكل معاصر ومتحرك نحو التجديد - كما نجد ايضا في أعمال الفنان عبدالرحمن العجلان ميلاً نحو استلهام معطيات العمارة الشعبية واقتناص زوايا جمالية والاستفادة منها في تكوينه الذي يرى فيه نماذج لاشكال جمالية يمكن وضعها في ميادين عامة - ايضا نجد التشابه في اعمال الفنان احمد الدحيم مع اعمال الطخيس خصوصا في منحى الشكل الكروي ومحاولة النقش او ايجاد رمز للموتيف الشعبي,, وقد يكون تواجدهم في موقع واحد (الدوادمي) مدينة النحت كما يحبون ان يطلق عليها,, له أثر على وجود التشابه.
هذه اطلالة سريعة حول جانب هام من جوانب الابداع التشكيلي السعودي والذي يعتبر مؤثرا وفاعلا في التعريف بابداعات معاصرة تجد التقدير من النقاد.
|