الحمد لله وحده وبعد فيقول الله- تعالى-:يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله,, الآية صدق الله العظيم ثم ليعلم الجميع أن الله تعالى هو الحق، وقوله الحق، ووعده حق، ولقاؤه حق وخلق الجن والإنس ليعبدوه بالحق، وأرسل رسله بالحق يدعون المكلفين إليه ويبشرون من قبله، فآمن به، وعمل بمقتضاه بالثواب العظيم، وينذرون من رده، واتبع ضده بالعذاب الأليم.
وأن ضد الحق هو الباطل، داعيه إبليس، ووسائله الأهواء والشهوات والشبهات، ودعاته جند إبليس من شياطين الجن والإنسيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وينفذون من السمع والبصر والفؤاد، ومن كل منفذ يوصلهم إلى مقصودهم، فيغرون بالشهوات، ويثيرون الشبهات، ويحرضون على اتباع الأهواء، ويزينون الباطل، ويصدون عن الحق بما استطاعوا من هذه الوسائل والباطل وأهله في النار.
فلكل من الحق والباطل دعاة وجنود وأنصار فانظر- أيها العاقل- من أي الفريقين أنت؟
وأسباب، ووسائل، وأساليب، وغايات، ولوشاء الله تعالى لنصر الحق وأهله بأمره الكوني القدريإذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فإن ذلك لا يعجزه سبحانه، وليس بعزيز عليه، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن يبلو الفريقين بعضهم ببعض، ليتميز كل حزب، ويتحقق الاختيار، ويقع الجزاء على الأعمال المكتوبة في سجل الحفظة بعد أن يعلن كل حزب عن نفسه، ويشهد الناس عليه باختياره لنفسه ومجاهدته فيما يهواه، والناس شهداء الله في أرضه، من شهدوا له بخير وجبت له الجنة، ومن شهدوا عليه بشر وجبت له النار، حتى يرى الناس في الدنيا والآخرة أن الجزاء يليق بالأعمال، ويتجلى عدل الله تعالى فيمن كذبه وعصاه، وفضله على من أطاعه واتقاه، وصدق الله العظيم إذ يقول: ولكن ليبلو بعضكم ببعض ويقول:ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيكرمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ويقول سبحانه: ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ويقول عن الشيطان: وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ .
فينبغي للعاقل الناصح لنفسه أن يكون من دعاة الحق وأنصاره وجنده في كل سبيل، وبكل وسيلة، وفي كل حال، فإن الحق منصور في الدنيا والآخرة وإن الباطل زاهق في العاجل والآجل، قال الله تعالى:وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وقال سبحانه: قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوم وقال جل ذكره:بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون فدولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
وغداً توفى النفوس ماعملت ويحصد الزارعون ما زرعوا إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وان أساءوا فبئس ما صنعوا |
وإذا أدخل أهل الجنة الجنة - جعلنا الله منهم- ناداهم الله من فوقهم: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون شاكرين مثنين: ألم تبيض وجوهنا، ألم تثقل موازيننا، ألم تزحزحنا عن النار وتدخلنا الجنة؟ فيقول الله تعالى: أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبدا، ثم يبيحهم النظر إليه، فما أعطوا نعيماً قط أعظم منه.