Saturday 5th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 21 صفر


من خطب الملك عبدالعزيز يرحمه الله
الاعتصام والتمسك بالكتاب والسنة هو ما نسعى إليه
العبادة لغير الله توقع صاحبها في المهالك

من أكبر نعم الله على المسلمين أن جعل أركان الإسلام تلك الأركان الخمسة التي أولها كلمة الإخلاص وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تلك الكلمة العظيمة الجليلة التي لأجلها كانت الجنة والنار والثواب والعقاب وكلمة الشهادة هذه تنقسم إلى قسمين:(لا إله) تنفي العبادات جميعها عن سوى الله (إلا الله) إثبات العبادة له سبحانه وتعالى، وهي تشتمل على حكم ربانية باهرة، وبعد الإقرار لله بالوحدانية لابد من الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن من يقول (لا إله إلا الله) ولم يقل :(محمد رسول الله ) فقد كفر.
ومن يصلي ولم يصل على النبي لم تقبل صلاته ثم هي أمن من الشرك وقد قرن الله - تعالى- ذكر محمد باسمه وله - سبحانه - العظمة والكبرياء لأنه لا معبود سواه وهذا رد على من دعا الرسول أو طلب منه شيئاً، لأنه ليس له من الأمر شئ والأمر كله لله تعالى:وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (الذاريات الآية 56) وكل شخص لايرجو شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ولكن الشفاعة لها طرق وهي أن يدعو الله أن يشفع فيه نبيه فيقول:يا رب شفع في محمداً ويسأله أن يشفعه فيه.
وأما العبادة فلا تصرف إلا لله وحده لا لملك ولا لنبي مقرب ولا لنبي مرسل ولا تخفى عليكم الآية الكريمة التي وردت في آخر سورة الذاريات في قوله تعالى:وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (الذاريات الآية 56) ومعنى يعبدون أي يوحدون فالتوحيد خاص بالله تعالى والعبادة لا تنصرف إلا إليه والرجاء والخوف والأمل كله بالله ولله وما بعث محمد ولا أرسل الرسل ولا جاهد المجاهدون إلا لتوحيد الله تعالى.
ثانياً: اقامة الصلاة وهي شرط لازم للإسلام ومن لم يصل لا إيمان له.
ثالثاً: إيتاء الزكاة، والزكاة فضل من الله وهي زكاة الأعراض وزكاة الأموال وبها يسعد الناس ويشعرون بشعور بعضهم.
رابعاً:الصيام، فصيام شهر رمضان فضل من الله لأن الأعمال كلها تعرض على الله يوم القيامة ويحاسب عباده إلا الصيام فإن الله يقول عنه:إنه لي وأنا أجزي به وهو فضل من الله أيضاً لأنه جعل هذا الشهر المبارك تكفيراً للسنة كلها علاوة على أنه يشعر الغني بحالة الفقير ويبعث في قلبه الرحمة له والعطف عليه حتى يفزع إلى مساعدته ومعاونته ومؤازرته وفي ذلك من جميل التعاون ما فيه.
خامساً: حج بيت الله الحرام وقد جعل الله الحج من فضله علينا ولو مرة في العمر، وفيه حكم كثيرة منها أن الناس يعبدون الله ويفردونه بالتوحيد منزهاً عن عبادة غيره لأن المقصود من مناسك الحج كالطواف حول الكعبة وغير ذلك هي إفراد الله - سبحانه وتعالى - بالعبادة ومن حكمه أيضاً أنه يذكرالناس بيوم القيامة لأنه مثل الحشر حيث يزدحم الناس مجردين من دنياهم، ومن مخيطهم في لباس واحد وحالة واحدة ومن حكمه أيضاً أنه جعل المسلمين يتعارفون وأن قيمة التعارف وحكمته وأهميته لا تخفى على أحد، ولا أريد أن أطيل عليكم في هذا الايضاح، فكلكم - بحمد الله - تعرفونه وتدركونه، وما أردت إلا تذكيركم ، وإنماالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
أما العبادةالتي لغير الله فأصحابها كما وصفهم الله:وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية (الغاشية الآية 2 - 4).
فكل خشوع لغير الله أو خضوع لغير الله يوقع صاحبه في المهالك عياذاً بالله قال تعالى:لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة الآية 128).
ذلك رسول الله أنزل عليه الله كتابه مع أمين السماء جبريل فمن شك فيما جاء به محمد فهو كافر والمهم أن يكون ما يرد عن محمد - صلوات الله وسلامه عليه- صحيحاً وثابتاً عنه والإمام أحمد علم أولاده مئات الأحاديث المزورة ليجتنبوها، لأن كثيراً من الأحاديث موضوعة وضعها أهل الزيغ أولئك الذين اخترعوا الكلام وتكلموا في متشابه القرآن وفي تأويله، ومن لم يعمل بماجاء في كتاب الله فهو كافر لأنه لما انتشر أهل الزيغ وفسدت العقائد اختلف الناس إلى فرق وشيع فافترقت اليهود إلى احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وقال صلى الله عليه وسلم :ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال:ماأنا عليه وأصحابي .
وقد أيد الله الإسلام والمسلمين بهذاالسلف الصالح وهم الخلفاء الأربعة ورجال السلف الصالح ،وأنتم - يا أهل الأمصار- ما تملكتم الأمصار إلا بفضل الله وبالإسلام وعزته، فإنكم في الحقيقة عرب، وأنتم من أصل هذه البلاد خرج أجدادكم إلى الأمصار ففتحوها فأنتم أصل واحد وترجعون إلى نسب واحد فإذا عرفنا ذلك وجب علينا أن نعرف أنفسنا كل المعرفة وأن نواجه الحقائق وذلك باطاعة أوامر الله واجتناب نواهيه قال تعالى:الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (الحج الآيلة 41).
فالذي يتمسك بكتاب الله فقد نجا من هول الآخرة، والذي يتركه يهلك وكل شخص يأتي يوم القيام وهو متأسف حزين، فالمحسن يتأسف على ما فاته من زيادة في الأعمال الصالحة والمسيء يحزن على ما فرط منه في دنياه من الأعمال السيئة، وأنتم أعلم بما أقول.
ويجب علينا - معشر المسلمين - من عربي وعجمي أن نتمسك بعبادة الله وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى وقد أعز الله الإسلام بسلمان الفارسي وبلال، وأذل الشرك بأبي جهل وأبي لهب، ولم تنفع هؤلاء قرابتهم من رسول الله ولا عمومتهم وذهبوا إلى النار، وهذا فخر للإسلام لأنه لا يبالي بالأحساب والأنساب، وليس معنى هذا أن يترك الإنسان نسبه بل يجب عليه أن يعرفه ولا يفتخر به، بل يفتخر بطاعة الله وبالاسلام الذي ينتسب إليه ، فإذا عرفنا هذا يجب أن نعرف أن لكل زمان حالاً وحالة زماننا هذا لا تخفاكم، وتقلباته الواقعة لا تكاد تخطر على العقول، ولا يمكن تصور أحداثها وما يتطور منها في الجو أو البر أو البحر والله وحده هوالذي خلق كل شيء ولقد أحاط بنا قوة من خلق الله من قوم عملوا ما عملوا بعلم الله لأنه - سبحانه وتعالى - لا يطاع إلا بإذنه، ولا يعصى إلا بعلمه، فيجب علينا أن نرد الامر كله لله، وأن نعرف أننا نعيش في شيء اسمه الدنيا وأن نعرف أين من سبقونا من الأمم، وماذا صار من أمرهم هم السابقون ونحن اللاحقون، ونحمد الله على أن المسلمين فيهم روح طيبة وهي روح تبشر بزيادة الخير للمسلمين، لأنه ما بينهم تخالف ولا تنافر ولا تخاذل ، والاتحاد العربي أو الاتفاق العربي الذي يتكلم فيه الناس روح طيبة وعمل طيب وأقل مراتبه أنه يجمع الكلمة ولابد أن إخواننا الذين تكلموا معي من المصريين أوالسوريين عرفوا ماقلت من أنه يجب علينا - نحن المسلمين - أن نتخذ لنا جامعة من عقلائنا الذين ليست لهم مطامع حتى تلتئم الأحوال، وهذا هو رأيي من الأول وبيناه في الاجتماع الأخير وإذا نحن أرجعنا الأمر إلى بابه فيجب أن نتمسك بحبل الله وأن نتمسك بما كان عليه السلف الصالح، فإذا تمسكنا بذلك نكن كلنا من دعاة الله وتنطبق أمورنا على ما جاءنا من عند الله ونتكلم في أمورنا واقتصادياتنا على موجب تقوى الله لعله يلطف بنا، وإن لم نفعل ذلك واتكلنا على أنفسنا فقط، كنا كما قال الله تعالى:نسوا الله فنسيهم (التوبة الآية 67) قال: إن الله لا ينسى ولكن إذا ترك العبد ربه تركه ربه فانقاد للمعاصي وقال تعالى فيما روي عن رسوله :وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد بي دون غيري وكادته السماء والارض ومن فيهن إلا جعلت له من بين ذلك فرجا وخرجا وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد بأحد سواي إلا قطعته إرباً لا أبالي بأي واحد هلك فعلى المرء ان ينظر في حاله وفي أعماله فإذا وجدها مطابقة للشرع علم أنه على صراط مستقيم، وقد مات محمد صلى الله عليه وسلم ومات الأنبياء ولم يبق إلا العمل الذي يكافأ عليه الانسان بالنار أو الجنة والجنة رحمة والنار عدل فيجب أن نعتصم بحبل الله تعالى وأن نعمل بالسعي ولاسعي إلا بتوفيق الله :وماتوفيقي إلا بالله (هود الآية 88) والحزم لا يكون إلا بالتوحيد، ومسألة الوحدة العربية هي رعاية لصالح كل مسلم وكل عربي ولكني أرى وفي رأيي الذي أدين عليه أنه لا يتم شيء في الدنيا إلا بالعمل الصالح وأن توفيق الله هوالمقدم والنافذ بالأمس كان الألمان على أبواب العلمين والجميع في اضطراب مستمر فلم يمض إلا عشية أو ضحاها حتى انقلب الحال غير الحال وأصبحوا في الأماكن التي تعلمون حيث تغلبت القوات البريطانية وحلفاؤها والله على كل شيء قدير فهذا من قدرة الله وتدبيره وأمر الله بين الكاف والنون كن فيكون (يس الآية 82) والقوة وحدها لا تنفع ما لم تكن مؤيدة من الله سبحانه وتعالى.
أتمنى من سائر إخواننا العرب أن يبذل كل منهم جهده فيما ينفع جميع المسلمين وجميع العرب لأنه لابد لنا من الاتفاق لما يحفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين وأن نطلب من الحلفاء أن يؤيدوا استقلال البلاد المستقلة وأن يساعدوا البلاد التي لم تستقل لنوال استقلالها ونحن في عملنا ومصادقتنا للحلفاء إنما نصادق أنفسنا ونحب أنفسنا حتى يبتعد الشر عنا فإن الجامعة الحقيقية التي يمكن أن تفيدنا وينصرنا الله بها هي الاعتصام بحبل الله والإيمان الخالص.
نسأل الله التوفيق ، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويعز الإسلام والمسلمين.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
ملحق المفروشات
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved