Saturday 5th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 21 صفر


اقتصاد العالم في يد مَن؟!

منذ أقدم العصور، كان لاصحاب رؤوس الأموال تأثير كبير على مصائر مئات الملايين من البشر ابتداء من جاك كور وصاموئيل برنارد مقرضي الامول إلى روتشيلد في فرانكفورت، وأسرة بارينغ في لندن، ولامبرت في بروكسل، ومروراً بأسرة مورغان أو أسرة روكفلر في نيويورك.
فعندما استطاع هؤلاء الصيارفة تكديس الثروات، أخذوا يزودون اصحاب التيجان الملكية بالقروض لينقذوا مالياتهم، وينشئوا الجيوش الجرارة، ويشنوا الحروب، ويبنوا القصور والقلاع، وإلى جانب ذلك، كان كبار الصيارفة يحقنون رؤوس الأموال في الصناعات الجديدة ويعطونها قوة ودفعا عظيمين كما أصبحوا مع مرور الزمن، القادة الحقيقيين للعالم الاقتصادي، ويديرون عن بُعد العديد من الحكومات وفي بعض الحالات كانوا يتبوءون فيها المراكز الرفيعة مثل نيكر وجاك لافيت، وغدوا رواداً أكفاء للتحالفات الدولية، أو قادة لفئات متخاصمة كانت موجودة في كل مكان خلف مسرح التاريخ.
يقول جان بوميير في كتابه رجال المال والمصارف يحكمون العالم : في بعض الاحيان كانت ثروات أباطرة المال معرضة للمصادرة، لانها كانت غير مشروعة وتُخفي وراءها مطامع مظلمة سوداء غير ان الغالبية العظمى من القادة لم يكن لديهم الرغبة ولا الوسائل للتخلص من ضغوط رجال المال الاقوياء الذي كانوا يساعدونهم في تحقيق التوازن بين الموارد والمصروفات في ميزانياتهم، وينقذونهم من التبذير المجنون.
ومع تطور الحياة الديمقراطية في الامم الكبرى المتطورة، ومع تكريس المجالس النيابية، اصبحت ادوار الماليين رجال المال والمصارف تتم بصورة اكثر سرية وتعقيداً، ولكنها لم تختف، وأصبحت آلياتها اكثر اصطناعا وذكاء وتضليلا، فالسلطات المركزية فقدت السهولة التي كانت تملكها في الماضي لمعالجة الشؤون المالية بشكل خفي, غير ان المؤسسات المالية الاكثر نفوذاً ما لبثت ان تسللت الى النقاط الحساسة في الآلة الحكومية.
وفي الأيام الحالية، لم تعد اسلحة المال تقتصر على حدود ميادين عملها في الدولة الواحدة بل تعدتها لتصبح عابرة للقارات وكونية, ففي النصف الثاني من هذا القرن حصلت المصارف على قوة هائلة فأقامت فروعها، وعقدت تحالفاتها الثابتة فوق القارات الخمس، وأخذت تستخدم مئات المليارات من الدولارات لتدعيم رؤوس اموالها واصبحت تملك قوة ردع من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل مقاومتها، وغدت مساندتها ضرورية لايجاد الفعاليات الجديدة واقامة التوازن في اسواق العملات الصعبة، او لنجدة الشركات الكبرى والدول المدينة التي تشرف على الاختناق.
لقد بدأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عصر جديد: هو عصر الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات عابرة القارات والأورو دولار والبترو دولار يقول أحمد عبدالكريم مترجم كتاب جاك بوميير، السابق الاشارة اليه: وفي السنوات الاخيرة ظهر للتداول اصطلاح دولي جديد الفاركو دولار وهو يعني الاموال الناتجة عن تجارة المخدرات وإلى جانب ذلك ظهرت عمليات غسل الاموال، او تطهيرها، وتشترك في هذه العمليات بعض الدول والمنظمات، والاجهزة السرية والمؤسسات المالية المشبوهة.
ومن جهة اخرى، صاحب هذا التطور الهائل في عالم المال والاقتصاد، تطابق وتعاون وتنسيق يكاد يكون شاملا بين المؤسسات الخاصة (المصارف والشركات المالية) من جهة والمؤسسات المالية والنقدية الدولية.
وفي نفس الوقت، ظهرت بعض التشريعات والقوانين التي تزداد قوة يوما بعد يوم، هدفها الحد من تسلط المؤسسات المالية الخاصة في كثير من بلدان العالم ففي فرنسا مثلا، عندما وصل اليسار إلى السلطة عام 1981م بادر باستخدام اساليب جذرية، فأمّم الإقراض كليا غير ان ديناصورات المال أي المصارف والمؤسسات المالية المتنوعة تبقى افضل تسليحا.
والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها في عالم اليوم، ان السلاح المالي سلاح حاسم في المعارك السياسية التي تدور رحاها بين الشرق والغرب,, وهكذا تصبح الحرب التجارية والمالية، في الظروف الدولية الراهنة، احدى البدائل الفعالة للحرب الساحنة وتشكل رؤوس الأموال - في كل مواجهات الدول - كتلة مناورة اساسية، وتشكل القروض الممنوحة من الامم الغنية للدول النامية وسائل ضغط، وتوجد علاقات غير متكافئة.
ومما لاشك فيه، ان المال في كل الاحوال، يشكل عصب الحرب، وأداة للسلم ومفتاحاً للتطور، ومصدراً للسلطة.
د, زيد محمد الرماني
عضو هيئة التدريس - جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
ملحق المفروشات
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved