من المعروف ان الاستثمار يؤثر في جوانب متعددة في حياة المجتمع وهو كذلك يتأثر بالعديد من المتغيرات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية, وبشكل عام يعتبر الاستثمار أحد الشروط الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية وللارتقاء بمستوى المعيشة، ولا يمكن تصور وجود تنمية بدون وجود استثمار فهما أمران متلازمان.
واكتسب الاستثمار اهميته لأنه يعني ببساطة اضافة وحدات انتاجية جديدة وآلات ومعدات وتجهيزات وغير ذلك، الأمر الذي يسهم في زيادة الناتج القومي وفي ايجاد فرص عمل جديدة وفي زيادة الدخول الشخصية, يضاف الى ذلك اسهام الاستثمار في الارتقاء بالمهارات الفنية والادارية المتاحةللمجتمع واسهامه كذلك في عملية نقل التقنية والتي تحتاج الى استثمار مبالغ طائلة, والاستثمار أحد القرارات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالادخار والاستهلاك، فالادخار الذي هو عبارة عن الامتناع عن الاستهلاك الحالي يسبق قرار الاستثمار, وفي هذا الاطار يحبذ الاقتصاديون النظر الى الاستهلاك على أنه ينقسم الى قسمين الأول هو الاستهلاك الحالي والقسم الثاني هو الاستهلاك في المستقبل والذي يتم تمويله جزئيا أو كليا عن طريق الامتناع عن الاستهلاك جزئيا في الزمن الحالي والقيام بالادخار، ومن ثم استثمار هذه المدخرات وتوفير مصدر دخل لمالكي الاستثمارات, ومن هنا جاءت النظرة الى الاستثمار على أنه شرط ضروري لتحسين مستويات المعيشة ولزيادة قدرة المجتمع على الحصول على كميات أكبر من السلع والخدمات لما يوفره من دخول وعوائد مستقبلية.
واذا كان الادخار يسبق الاستثمار فهذا يعني ان على المجتمع أو الفرد متى ما رغب في الاستثمار ان يتخذ قرارا مؤداه خفض الاستهلاك الحالي والعمل على زيادة المدخرات, ومن الطبيعي ان توجد عوامل عدة تساعد على بلوغ هذا الهدف، لعل من أهمها خفض الانفاق على السلع والخدمات الكمالية وبوجه خاص خفض ما يسمى بالاستهلاك التفاخري أو التظاهري والذي هو عبارة عن التوسع في الانفاق على سلع وخدمات كمالية لا لأن الفرد بحاجة الى مثل هذه السلع وإنما لأن استهلاكها يشبع حاجة نفسية لديه تتمثل في المباهاة والمفاخرة وجذب انتباه الآخرين, ولا يقتصر الاستهلاك التفاخري على جانب دون آخر فهو يشمل العديد من الجوانب الاستهلاكية مثل المبالغة في الانفاق على الطعام والملابس والمساكن والأثاث والسيارات والترفيه.
ومن الطبيعي ايضا ان يشكل شيوع هذا النمط الاستهلاكي عائقا في وجه تكوين المدخرات وبالتالي الاستثمارات ولذا كان التخفيف من حدته وشيوعه مطلبا ضروريا لتكوين المدخرات.
وفي الواقع فإن شيوع هذا النمط الاستهلاكي في مجتمع ما له أسبابه ودواعيه والتي منها سيادة بعض العادات والتقاليد التي تجعل مكانة الشخص ومنزلته يتحددان بناء على نوع المسكن الذي يسكنه أو السيارة التي يقودها الى غير ذلك من المعايير, ومن هذه الأسباب تدني مستوى الثقافة والوعي والادراك والتعليم والارتفاع الكبير في مستويات الدخول, علاوة على توافر أساليب دفع ميسرة والتوسع في استخدام بطاقات الائتمان، الأمر الذي يوفر قوة شرائية كبيرة لدى الأفراد تتفوق على قدرتهم الفعلية مما يتيح لهم الانفاق والاقتراض على حساب مدخراتهم المستقبلية فبدلا من ادخار جزء من الدخل الحالي ومن ثم استثمار المدخرات المتراكمة أملا في توفير مصدر دخل اضافي في المستقبل يتم انفاق كامل الدخل الحالي بالاضافة الى جزء من الدخل المستقبلي لأن الفرد سيكون مضطرا لاقتطاع جزء من هذا الدخل لسداد تكاليف الاستهلاك الكبير في الماضي, ولاشك ان هذا التصرف يؤثر سلبا على مستوى المعيشة الشخصي في المستقبل وقد يجد الفرد نفسه عاجزا عن المحافظة على نفس مستوى المعيشة السابق ويصبح مستوى المعيشة المرتفع حاليا على حساب مستوى معيشة أقل مستقبلا.
* قسم الاقتصاد الإسلامي- جامعة الإمام محمد بن سعود