الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين وبعد: فيقول الله تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) لقد فجعت الأمة الاسلامية بفقد علم بارز من اعلامها,, فجعت بفقد امام من الأئمة يعتبر من بقية السلف الصالح,, هذا الامام مآثره أكثر من ان تحصى,, عاش نيفاً وثمانين سنة أمضى معظم هذا العمر في خدمة الاسلام والدعوة الى الله ونشر العلم وتعليمه,, انه الامام الشيخ عبد العزيز بن باز,, هذا الاسم الذي حفظه الكبير والصغير والذكر والانثى والعالم والعامي,, هذا الاسم الذي اذا اقترن برأي اكسبه قوة وقدراً,, لقد كان الشيخ رحمه الله قدوة للعلماء العاملين الناصحين لدينهم وأمتهم، وهو مدرسة للطلاب المتعلمين,, مدرسة في الحرص على طلب العلم وتعلمه والجهاد والمجاهدة في سبيل ذلك فهذا الرجل - كما يعلم من سيرته - كف بصره وهو صغير ولم يثنه ذلك عن طلب العلم فسعى في تحصيل العلم وصبر وصابر في الطلب حتى اصبح اكبر علماء الأمة الاسلامية وأكبر فقهائها,, وهو مدرسة في الحرص على تعليم العلم ونشره وتبليغ دين الله عز وجل,, يستغل كل فرصة تسنح في التعليم والتوجيه والارشاد وحتى في المناسبات الخاصة التي يُدعى لها لا بد ان يتخللها كلمة للشيخ ثم اجابة عن بعض الاسئلة,, وهو مدرسة في الحرص على الدعوة وتفقد احوال الدعاة في العالم الاسلامي ودعمهم دعماً مادياً ومعنوياً واذكر انني لما سافرت لخارج المملكة للدعوة عن طريق جامعة الامام كان اول سؤال يطرح علي من الجاليات الاسلامية هو السؤال عن صحة الشيخ ابن باز، وكنت اذا طرحت مسألة وقلت: هذا رأي شيخنا ابن باز سروا بذلك واعتبروا ان ذلك الرأي الذي تبناه الشيخ ابن باز حجة لهم امام الله عز وجل,, وهو مدرسة في التقوى والورع والخشية,, وكان كثيراً ما يبكي من خشية الله عز وجل,, وهو مدرسة في حسن الخلق وكريم السجايا والخصال,, قد فتح قلبه وصدره قبل ان يفتح بيته للناس واعطاه الله القبول فأحبه الناس على مختلف طبقاتهم,, ومن التقى بالشيخ ولو لمرات قليلة ليعجب من سعة حلم الشيخ وتحمله وصبره فلا يرى الشيخ الا وقد التف به الناس واحاطوا به وكل له مشكلة او سؤال او استفسار فيجيب عن اسئلتهم جميعا بكل رحابة صدر,, والشيخ مدرسة في الزهد في الدنيا والاعراض عنها بل لاتكاد تذكر الدنيا في مجلسه,, وقد وصفه بعض الناس وأظنه ليس بمبالغ في ذلك الوصف بأنه من العلماء الذين لم يمر على الأمة الاسلامية مثلهم منذ قرون,, ومن مآثره العزيمة والتي كان لها اثر كبير على الأمة, دعوته الناس للتمسك بالكتاب والسنة ونبذ المذهبية والتعصب لأقوال الرجال والشيخ محدث فقيه صاحب اثر وسنة, وقد أثّر الشيخ بذلك على الامة الاسلامية عموماً وعلى المملكة خصوصاً في التمسك بالدليل من الكتاب والسنة وعرض أقوال الرجال على الكتاب والسنة فما كان موافقاً منها للكتاب والسنة قبل والا رد,, ويتضح لك هذا التأثير عندما تتأمل في فتاوى علماء المملكة وترى انهم كثيراً ما يخالفون مذهب الحنابلة - وهو المذهب السائد في المملكة - اتباعاً للدليل,, وقد ربّاهم شيخهم ابن باز على القاعدة اذا صح الحديث فهو مذهبي ,, ولقد تتلمذت على الشيخ سنوات عديدة واستفدت منه علماً كثيراً وأدباً جماً وحضرت كثيراً من دروسه فوجدتها دروساً عظيمة نافعة على طريقة السلف الذين نقرأ لهم سيرهم وتتعطر المجالس بذكرهم,, فللشيخ في رقبتي منة بل وله في رقبة كل طالب علم في هذا الزمان منة,, وان فقد الشيخ لمصاب جلل ورزية عظمى ليس لأنه الشيخ ابن باز فحسب بل لأنه عالم جليل حاز جزءاً من ميراث النبوة، فإن العلماء ورثة الأنبياء والنبي صلى الله عليه وسلم قد اخبرنا لأنه لا ينتزع العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا,, وان فقد هذا الامام ليحزن القلب ولا نقول الا ما يرضي ربنا والحمدلله على قضائه وقدره، لله ما اخذ وله ما اعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى,, انا لله وانا اليه راجعون,, اللهم انا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ان تغفر للشيخ وان ترحمه وان ترفع درجته في المهديين وتجعله مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين,, ونسألك ان تجزيه عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء.
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
سعد بن تركي الخثلان
المحاضر بكلية الشريعة بالرياض