الرياض - بيروت - وكالات
القى معالي المهندس علي بن ابراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية كلمة امام المؤتمر السنوي الخامس لأسواق رأس المال العربية الذي بدأ أمس في بيروت وقال النعيمي في كلمته:
ان ثروة كالبترول عامل ايجابي وهام جدا في بناء الامم وتقدمها الا ان هذا يعتمد على كيفية استغلال هذه الثروة لتؤدي افضل النتائج وبشكل متطور باستمرار, وهذا يعني الاستغلال الامثل للثروة وتوسعتها افقيا ورأسيا.
علينا الآن ان نتحدث عن السوق البترولية الدولية، ومن اجل الوصول الى صورة واضحة عن هذه السوق، ينبغي النظر الى تطوراتها خلال العشرين سنة الماضية، فمع نهاية السبعينيات، كانت السوق البترولية سوقا للبائع، يقرر فيها السعر، ويؤثر على كافة جوانب السوق,, وكان البائع ( دول الاوبك) في موقع القيادة، كما كان بعضها يسعى الى الحصول على اعلى الاسعار بدون التفكير في تأثيراتها السلبية المحتملة.
ولاشك ان هذا التفكير كان متأثرا بالافكار السائدة آنذاك مثل الاعتقاد بقرب نضوب البترول والذي رآه البعض محتملا بحلول عام 2000م كما كان ينظر الى البترول كجزء من الصراع بين دول الشمال الغنية، ودول الجنوب الفقيرة، او بين الدول المستهلكة والدول المنتجة للبترول, اضافة الى ذلك فقد كان العالم اسيرا لحتمية واستمرارية الصراع بين الغرب والشرق، لدرجة التعصب مع اقحام البترول في هذا الصراع, اي ان البترول كان مسيسا في تلك الفترة، بل انه كان يزداد ارتباطا بالسياسة خلال السبعينات وبداية الثمانينات، بينما السلع والمنتجات الاخرى تنفصل تدريجيا عن السياسة, وفي عام 1986م حدثت هزة في السوق البترولية الدولية، عندما انهارت الاسعار من حوالي ثلاثين دولارا للبرميل الى اقل من عشرة دولارات، وحدث هذا نتيجة لانخفاض الاستهلاك العالمي، وزيادة الانتاج من خارج الاوبك، وفي وقت قامت دول الاوبك وعلى رأسها المملكة بتخفيض انتاجها من اكثر من ثلاثين مليون برميل يوميا الى اقل من خمسة عشر مليونا, ويساوي هذا في الاهمية حدوث تحولات جذرية في السوق، وتكنولوجيا انتاج واستهلاك البترول, ففي السوق البترولية ظهر ما يسمى بالسوق المستقبلية بطرقها المختلفة، هذه السوق كانت موجودة ولعشرات السنين في بعض السلع مثل القمح وبعض المعادن, الا انها كانت غائبة عن البترول لكون البترول صناعة متكاملة بدرجة كبيرة وتتميز بوجود نوع من ادارة الانتاج (من قبل الشركات او دول الاوبك).
ويعني وجود سوق مستقبلية للبترول زيادة شفافيتها بجانبيها السلبي والايجابي، كما انها تعني عدة امور لعل من اهمها وجود نوع من الضمان او التأمين وبالذات لصغار المنتجين والمستخدمين للبترول، ودخول المؤسسات المالية، بما في ذلك المضاربون، في السوق البترولية الدولية، والتأثير عليها.
وفي جانب الاستهلاك حدث تغير كبير في استخدام البترول بشكل خاص، والطاقة بشكل عام,, فقد تم تخفيض كثافة استخدام الطاقة في الوحدة الواحدة من الانتاج بنسبة 25% وبالنسبة للبترول فقد انخفضت هذه الكثافة بنسبة 35% اضافة الى ذلك فقد تم تقليص استخدام البترول في بعض النشاطات الاقتصادية مثل توليد الكهرباء والتدفئة والصناعة، وبذا انحصر استخدام البترول في قطاع النقل والمواصلات وحتى في هذا القطاع تم تخفيض نسبة استخدامه بشكل كبير، كما يجري العمل الآن على اختراع عربات تسير بدون البترول، والعمل في نفس الوقت على استمرار تخفيض نسبة استخدام البترول في العربات.
وفي مجال استكشاف وانتاج البترول حصلت تطورات تكنولوجية هامة شملت استخدام وسائل الاستكشاف ثلاثي الابعاد، واستخدام اسلوب الحفر الافقي، وغيرها، حيث ساعدت هذه التطورات في اكتشاف البترول في اماكن صعبة مع تخفيض تكلفة الاستكشاف والانتاج بشكل واضح.
هذه التطورات التكنولوجية والتسويقية، اضافة الى انشاء الدول المستهلكة الرئيسية للمخزون الاستراتيجي، ساهمت في حدوث تحول كبير في السوق البترولية الدولية من ناحية شفافية هذه السوق وعدم مقدرة لاعب واحد او مجموعة صغيرة في التأثير عليها، مع وجود تداخلات كثيرة بين اقطابها.
ومن هذه النقطة، فانني سأتحدث عن المستقبل، فكما ذكرت سابقا فان الطلب على البترول في العالم، من المتوقع ان يرتفع بمقدار قد يصل الى ثلاثين مليون برميل يوميا خلال العشرين سنة القادمة، كما انه من المتوقع ان تلبي الدول العربية ما لايقل عن 70% من هذه الزيادة في الطلب,, وستكون اغلب الزيادة في الطلب من الدول الاسيوية بشكل خاص، ودول العالم الثالث بشكل عام.
ولاشك ان هذه التوقعات تتطلب التفكير والعمل من منطلقات واضحة، ومن اجل مصالحنا كدول منتجة رئيسية للبترول، وذات احتياطيات عالية، يجب ان نعمل على استقرار السوق البترولية العالمية، بايجاد توازن بين العرض والطلب وان نحرص على عدم تذبذب او انخفاض وارتفاع الاسعار بشكل كبير ,, فالاضطراب في السوق الناتج عن عدم توازن العرض والطلب او ارتفاع الاسعار او انخفاضها بشكل كبير، ليس في صالح الدول العربية، كما انه ليس في صالح الاقتصاد العالمي والدول المستهلكة، بل انه يضر بالصناعة البترولية، فنقص الامدادات يؤدي الى ارتفاع الاسعار بشكل كبير، والتي بدورها تقود الى انخفاض الطلب، والتحول الى مصادر اخرى للطاقة اضافة الى انعكاساتها الاقتصادية السلبية.
وقد سعت المملكة العربية السعودية، وبالتعاون مع الدول المنتجة للبترول، سواء داخل الاوبك او خارجها الى استقرار السوق البترولية الدولية، والتدخل عندما تستدعي الحاجة الى ذلك، فبعد الغزو العراقي للكويت، وتوقف الصادرات البترولية من كلا البلدين، قامت المملكة مع دول الاوبك الاخرى بزيادة الانتاج لتعويض هذا النقص واعادة الاستقرار الى السوق, وخلال العام الماضي، وهذا العام، وعندما ضعف الطلب في آسيا نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها، وزاد العرض من داخل الاوبك وخارجها، قامت دول الاوبك وبعض الدول الرئيسية خارجها بتخفيض الانتاج بحوالي خمسة ملايين برميل يوميا، وقد تحملت المملكة الكمية الاكبر من هذا التخفيض.
وفيما يتعلق باستقرار الاسعار ضمن مدى محدد وعدم ارتفاعها او انخفاضها بشكل كبير، ففي الوقت الحالي، فإن المملكة العربية السعودية، وكثيرا من الدول المنتجة الاخرى، ترى انه من الافضل ان يكون متوسط مدى الاسعار ما بين 18 - 20 دولارا، مع استعداد المملكة والدول الاخرى الدفاع عن هذا السعر، والتأكد من تحقيقه، وتجري المشاورات بين بعض الدول المنتجة لدفع هذا التصور في برنامج عمل قابل للتطبيق والتحديث.
واشار الى انه لا بد من الدخول في عمليات تصنيعه محليا، كما انه من الضروري بناء خدمات صناعية مساندة للقطاع البترولي، وتوظيف وتدريب الكفاءات الوطنية المؤهلة لإدارته.
فالعالم العربي، وبالرغم من انه كما اوضحنا سابقا، يعد اهم منطقة بترولية في العالم من ناحية الاحتياطي، والانتاج والتصدير الا انه ما زال ضعيفا من ناحية الصناعات البترولية او الصناعات والخدمات المرتبطة بها,, فعلى سبيل المثال لا يوجد في العالم العربي شركة هندسية تهتم بالصناعات البترولية ولها اهميتها الدولية او الاقليمية, وتسعى المملكة العربية السعودية الى تكوين صناعة بترولية قوية في جميع المجالات، وتعد المملكة في مجال تكرير البترول واحدة من اهم واكبر عشر دول في العالم, فلدينا سبع مصاف تصل طاقتها الى اكثر من 1,7 مليون برميل يوميا، يصدر حوالي نصف انتاجها الى الخارج,, وتملك المملكة اسطولا ضخما لنقل البترول ومنتجاته والمنتجات البتروكيميائية، تصل عدد ناقلاته الى خمسين ناقلة بترول ومواد بتروكيمائية، هذا الاسطول تابع لشركة ارامكو السعودية والشركة الوطنية للنقل البحري التابعة جزئيا للقطاع الخاص, وتعمل المملكة حاليا على توسعة وتوطين قطاع صناعة الخدمات البترولية، مع ربطها بالقطاع الخاص، ويدخل ضمن ذلك عمليات التنقيب والحفر، وتصنيع المواد المختلفة واعداد الدراسات الهندسية.
ويدخل ضمن بناء صناعة بترولية قوية استغلال الميزة النسبية للثروة الهيدروكربونية، وعلى قائمة هذا، استغلال الغاز الطبيعي وتطوير الصناعات المرتبطة به، واحلاله محل البترول الخام في استخدامات الطاقة,, فبوسع العالم العربي، ان يصبح اهم المراكز العالمية في صناعة البتروكيماويات، وهذا هو الطريق الذي اتخذته المملكة العربية السعودية، فقد تم بناء مدينتي الجبيل وينبع كمركزين اساسيين للصناعات البتروكيماوية وصناعات اخرى مرتبطة بها, كما تم انشاء شبكة رئيسية لتجميع الغاز ومعالجته، ثم تزويد هاتين المدينتين به لاستخدامه كلقيم وكمصدر للطاقة,, وقامت الحكومة السعودية كذلك وبمشاركة القطاع الخاص بإنشاء الشركة السعودية للصناعات الاساسية (سابك) والتي دخلت لوحدها، او مع شركاء اجانب في مشاريع بتروكيمائية ضخمة,, وتعد سابك الآن ليس اكبر شركة في العالم العربي فحسب بل في منطقة الشرق الاوسط، كما تعد شركة (سابك) من ضمن اكبر الشركات العالمية، وثمرة لتطور هذا القطاع الصناعي بلغت حصة المملكة من سوق البتروكيميائيات في العالم حوالي ستة بالمائة.
وانطلاقا من هذا الاتجاه بدأنا الآن بتوسعة شبكة الغاز الطبيعي، لمضاعفة طاقتها والتي ستؤدي الى توفير فرص اكبر في الصناعات البتروكيمائية للقطاع الخاص السعودي، وللمستثمر الاجنبي، وهذا سوف يؤدي بدوره الى توسعة، وربما مضاعفة، انتاج البتروكيمائيات في المملكة.
فالمملكة العربية السعودية تسير الآن على اتجاهين، الاول تنمية الصناعات البترولية والصناعات الاخرى المرتبطة بها، والثاني ايجاد مجالات اخرى لتوسعة قاعدة الاقتصاد الوطني.
وجميعنا يدرك ان العالم في مجمله يتطور ويتغير بسرعة فائقة، واكبر مما يتصوره المرء في بعض الاحيان، وهذا التطور يحدث في كافة المجالات، ولا مناص للعرب الا ادراك هذه التطورات المختلفة، والسعي الى مواكبتها، ولن يحدث هذا الا من خلال الاسلوب العلمي وادراك اتجاه وتوجهات العالم، وعالم اليوم ذو شفافية عالية، يستطيع اي مطلع ادراك حقائقه وتوجهاته, ونحن على ابواب القرن الواحد والعشرين، فانه يجب علينا كدول وشعوب عربية ان ندخل هذا القرن بمنطلقات جديدة، قوية، وواقعية، اساسها العلم والمعرفة، لقد كان صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني واضحا في كلمته امام قمة مجلس التعاون التاسعة عشرة التي عقدت في ابوظبي منذ ستة اشهر، حيث قال سموه ان العالم لن ينتظرنا والمتغيرات الاقتصادية المتلاحقة لن تمهلنا ، وشدد سموه على اهمية تنمية الانسان المتعلم، ومشاركة القطاع الخاص، وعدم الاعتماد على الدولة، حيث يجب ان تكون المسؤولية والدور الايجابي مشتركا مع القطاع الخاص، ومع الافراد كذلك واوضح سموه، اهمية الانفتاح الاقتصادي، والتعاون الاقليمي، وسياسة الخصخصة.
وكان قد افتتح رئيس الوزراء اللبناني الدكتور سليم الحص صباح اليوم الاربعاء المؤتمر السنوي الخامس لاسواق رأس المال العربية بحضور نخبة من المسؤولين العرب ورجال الاعمال والمصارف في مقدمتهم الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الاعمال المصري.
وينظم المؤتمر الذي سيستمر ثلاثة ايام مجموعة الاقتصاد والاعمال في لبنان بالاشتراك مع مصرف لبنان المركزي وبالتعاون مع جمعية المصارف اللبنانية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي, ويمثل المشاركون في المؤتمر- ويزيد عددهم على 500 شخصية- 21 دولة بينها 13 دولة عربية ويتخلله ندوة خاصة حول الاستثمار العربي يتم خلالها التداول في مناخ وفرص الاستثمار في الدول العربية والاطلاع على التجارب الاستثمارية لعدد من الدول العربية وبينها مصر ولبنان.
وستنقسم اعمال المؤتمر الى ست ورش عمل تتناول عمليات الاصلاح والخصخصة في الاقتصاديات العربية واوضاع الصناعة النفطية ومستقبل الاستثمار في الشرق الاوسط وشمال افريقيا والصناعة المصرفية العربية بالاضافة الى مواضيع تتعلق باليورو والتجارة الالكترونية وادارة المخاطر للمصارف والمؤسسات المالية.
وتعكس اجتماعات المؤتمر السنوي لأسواق رأس المال العربية التي تعقد اليوم الاربعاء 12 مايو الحالي ببيروت الجهود العربية التي تستهدف وضع ضوابط فعالة للملكيات الأجنبية في اسواق الاسهم العربية وتوحيد التشريعات والأنظمة المصرفية العربية لمواكبة المتغيرات الحادثة وتذليل العوائق امام حركة رؤوس الأموال العربية.
ويشارك في المؤتمر الذي يهدف الى بحث فرص الاستثمار في اسواق المال العربية خلال الفترة المقبلة 500 من القيادات المالية الرسمية والخاصة يمثلون 21 دولة من بينها 13 دولة عربية هي مصر، لبنان، السعودية، الجزائر، الامارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، قطر، المغرب، سوريا، الاردن، اليمن، فلسطين.
وينظم المؤتمر الذي يستمر يومين مجموعة الاقتصاد والاعمال بالاشتراك مع مصرف لبنان ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.
ويتحقق ذلك في رأي المتخصصين بتزايد الوعي بأهمية القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية في مختلف البلاد العربية كبديل عن القطاع العام وادخال اصلاحات جوهرية في هياكل الاقتصاد العربي بهدف تحرير عناصر الانتاج وتحرير الاسعار في الاسواق الانتاجية والمالية وتوجيه الاقتصاديات العربية نحو آلية السوق الحرة بالاضافة الى احداث تعديلات جوهرية في مجال تحسين مناخ الاستثمار في البلاد العربية وعلى مختلف المستويات لجذب الاموال العربية من الخارج,
ويؤكد المتخصصون ان المنطقة العربية تعد من اكثر المناطق طردا للأموال فقد وصل حجم الأموال العربية المستثمرة في خارج المنطقة العربية 670 مليار دولار عام 90 وحالياً تقدر بحدود 800 مليار دولار كما بلغت مدخرات القطاع الخاص خارج المنطقة العربية 162 مليارا في حين اقتصر حجم الاستثمارات الخاصة المباشرة بين الدول العربية على نحو 10 مليارات دولار موزعة على نحو 2171 مشروعاً خلال الفترة من بداية الخمسينات والى نهاية التسعينات.
|