الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الانبياء المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:
فإنه لا يختلف اثنان في أن العلوم هي أوثق أسباب تقدم الأمم ورقيها، وأعمق أسس الرقي والتحضر، وأنه بقدر حرص الأمم على العلوم يكون تقدمها ورقيها.
من أجل ذلك أولى الإسلام العلم أهمية بالغة، وحض عليه، وأمر به، ورغب فيه، وأحل العلماء مكانة سامقة، وأنزلهم منزلة سامية، فإن أول سورة نزلت في القرآن الكريم في }اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم{، وأوجب الله تعالى الرجوع إلى العلماء وسؤالهم، فقال تعالى: }فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{، ونفى الله سبحانه التسوية بينهم وبين غيرهم، فقال تعالى: }قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون{، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).
ولا شك أن وسائل تلقي العلوم، والأماكن المخصصة للمعرفة، قد تطورت تطوراً كبيراً، تبعاً لسنن الحياة، فمن حلق المساجد، والكتاتيب إلى المدارس، والمعاهد، والكليات، والجامعات، والمراكز العلمية والمؤسسات البحثية، والمعامل والمختبرات إلى غير ذلك مما لا يمكن تشغيله على أحسن الوجوه، والاستفادة منه الاستفادة المثلى، إلا برصد الأموال، ووضع الميزانيات، وإيجاد مصادر ثابتة للتمويل والإنفاق.
ومن هنا تتجلى الأهمية العظيمة للأوقاف الإسلامية، وتظهر المكانة الرفيعة لها في تقدم العلوم في البلاد الإسلامية، ورعاية العلم والعلماء، مما يفضي - إن شاء الله - إلى تقدم الأمة الإسلامية ورفعتها، ولحاقها بركب الحضارة، بل وريادتها للعالم بفضل، ما اختصها الله به من منهاج القرآن الكريم والسنة الشريفة.
ومن يستنطق تاريخ الأمة الإسلامية يجد مصداق ذلك واضحاً جلياً، ومما لا ريب فيه أن نقص معرفة كثير من المسلمين بأهمية الوقف، ومكانته الرفيعة في الإسلام من أهم الأسباب التي صرفت المسلمين عن الوقف إلى غيره من المجالات الخيرية.
لذلك فإني أرى اتخاذ اجراءات علمية مدروسة تعيد إلى المسلمين إدراك أهمية الوقف على مجالات الخير بعامة، وعلى مجالات العلم والمعرفة بخاصة.
أولاً: القيام بحملة علمية، لتوعية المسلمين، وتبصيرهم بمكانة الوقف، وما يترتب عليه من الأجر العظيم، وخصوصاً الوقف على العلم والمعرفة، ويشترك في هذه الحملة التوعوية كل من له صلة بالأوقاف، كالعلماء والخطباء، والأئمة، والمفكرين، ورجالات الدولة، وأن تبث هذه الحملة في جميع وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة.
ثانياً: أن تقوم وكالة الأوقاف بإنشاء مركز علمي يعود بالنفع على البلاد، ويكون أثره ملموساً في المجتمع، ليدرك الناس ذلك واقعاً محسوساً فإن ذلك مما يبعث الثقة في نفوسهم، ويجعلهم يقتدون به.
ثالثاً: إبراز الآثار الحميدة، والنتائج الطيبة، للأوقاف العلمية، على مر التاريخ بعامة، وفي تاريخنا المعاصر بخاصة.
رابعاً: التركيز على أن الوقف على العلم وأهله، ليس هدفاً مستحدثاً، ولا طارئاً، بل إنه من أهداف الوقف الأصلية، ومن الأعمال الجليلة التي لا ينقطع ثوابها وأجرها بموت صاحبها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
ولا شك أن ندوة المكتبات الوقفية في المملكة، التي تنظمها الوزارة بمقر مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة، يعد عملاً جليلاً، وخطوة مباركة في طريق إعادة مكانة الأوقاف العلمية، وتوعية المسلمين بذلك، وإبراز الآثار التي يمكن أن تؤديها، وهذا العمل يعد من بنات أفكار معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعدوة والإرشاد الذي لا يألوا جهداً في تطوير الأوقاف، وتنميتها، والاستفادة منها في تنمية المجتمع، علمياً، وثقافياً، وصحياً، وعمرانياً، نسأل الله تعالى أن يوفقه والعاملين معه إلى كل خير.
داعين الله تعالى أن يوفق ولاة أمرنا، ويجزيهم خير الجزاء، ويجزل لهم الأجر والمثوبة على أعمالهم الخيرة بعامة، وعلى رعايتهم الأوقاف بخاصة.
* وكيل الوزارة للشؤون الإدارية والفنية