الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:
فإن للعلم مكانة ظاهرة في الإسلام يعرفها العلماء، ويدركها الخاصة، وقد ورد التنويه عن هذا في آيات كثيرة من كتاب الله، ولعل منها قوله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه و سلم - }اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم{ فاستهلال الله سبحانه وتعالى أمره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة، والتنويه بالتعليم وبالقلم الذي هو من أدوات طلب العلم فيه حث للمسلمين على طلب العلم والاهتمام به.
وقوله تعالى: }يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات{.
وقوله - جل وعلا - }شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط,,, الآية{.
وقال عز من قائل مخاطباً نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -: }وقل رب زدني علماً{.
وقد فسر بعض العلماء الحكمة في قوله - تعالى: }يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً{ بأنها العلم النافع، المؤدي إلى العمل الصالح.
وجاء في الحديث الذي رواه معاوية بن أبي سفيان (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
فمن علم، وتفقه في الدين، فقد أراد الله به خيراً.
وقد تضمن أدب اللغة العربية نثراً وشعراً ما يفيد أهمية العلم، ومكانته في ثقافة المجتمع المسلم ومن ذلك قول الشاعر:
قد مات قوم وما ماتت مآثرهم وعاش قوم وهم في الناس أموات |
يشير في ذلك إلى العلماء ومن لهم مآثر حميدة، والعلم من أعلاها مكانة وقدراً.
ويقول آخر
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور ونقل عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان |
لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بالعلم والعلماء، واهتمت بهم، ونوهت بمكانتهم حثاً ورغبة في حيازة المكانة الرفيعة والسؤدد للأمة الإسلامية وأفرادها.
ومن أوجه العناية والرعاية بالعلم والعلماء في الشريعة الإسلامية توفير ما يحتاجون إليه وتيسير سبل التعلم، ونشر العلم بطرق ووسائل متعددة، ومن أهمها المال، وهو ما عبر عنه الإمام الشافعي با (البلغة).
وتوفير المال لتسهيل وتيسير طلب العلم يتم إما عن طريق بيت المال أي عن طريق الحكومات ، وإما عن طريق أفراد المجتمع، ونحمد الله - جل وعلا - أن هيأ لهذه البلاد ولاة امر لم يدخروا وسعاً في تيسير طلب العلم وتمويله عن طريق بيت المال، أو بمساعداتهم الخاصة، فشجعوا أفراد المجتمع وأعانوهم على الإسهام في هذا المجال.
وإن المتابع لمسيرة التعليم وبناء مؤسساته في المجتمعات الإسلامية، عبر العصور المختلفة يدرك الدور المميز لإسهامات المسلمين في توفير المال اللازم للنفقة على دور العلم ومكتباتها وطبع الكتب ونشرها وذلك من خلال وسائل متعددة، من أظهرها وأهمها الوقف الذي كان، ولا يزال مجال اهتمام وعناية المسلمين ومصدراً من مصادر التمويل لكثير من المشروعات الثقافية حيث استفاد من الوقف المدارس، والمعاهد، والمكتبات، والأربطة، وحلق العلم التي كانت من أهم أسباب انتشار التأليف والتعليم، ونشر الحضارة الإسلامية في العالم، ولم تقتصر عناية الوقف وإسهاماته على ميادين معينة، بل شملت كل ما فيه نفع للأمة المسلمة، ونشر للإسلام.
فانتشرت الأوقاف على المدارس، والمعاهد، ودور العلم من مكتبات، وحلق علم، وغيرها.
وصور أحد الشعراء المدارس التي عليها الأوقاف وإفادة الناس منها حين قال
ومدارس لم تأتها في مشكل إلا وجدت فتى يحل المشكلا وبها وقوف لا يزال مغلها يستنقذ الأسرى ويغني العيلا ومعاشر تخذوا الصنائع مكسباً وأفاضل حفظوا العلوم تجملا |
ومن يطلع على كتب السير يجد فيها ما يغني في هذا المجال، فسيجد تصنيفاً للوقوف على المساجد، وعلى الكتب والمكتبات، وعلى الأربطة وغيرها من وسائل نشر العلم والمعرفة.
وكثرة الوقوف على العلم وطلابه كان الدافع إليها طلب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، حيث إن الوقف صدقة جارية لا يجوز إزالة عينها إلا بشروط .
والصدقة الجارية الواردة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منها أو صدقة جارية) ذكر جمع من العلماء أن المراد بها الوقف؛ لأن صفة الجريان والدوام تنطبق على الوقف، ولأن الوقوف على العلم وطلبته من الأعمال الخيرية المتعدية، والأعمال الخيرية التي يتعدى نفعها أفضل من غيرها.
وبهذا يظهر ان الاهتمام بالوقف على الكتب والمكتبات ودور العلم مما يوليه المسلمون جل اهتمامهم وعنايتهم، من هذا المنطلق جاء اهتمام وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمكتبات الوقفية، والتنويه بمكانتها في المجتمع، وذلك بعقد ندوة خاصة بها بعنوان (ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية).
سلمان بن محمد العُمري
وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف