في ليلة جميلة من ليالي المئوية اقامت جمعية النهضة النسائية عدداً من المعارض الفنية والتاريخية والتراثية مشاركة منها بالاحتفال المئوي على تأسيس المملكة تحت رعاية مهندس احتفالات المئوية الامير سلمان بن عبدالعزيز امير منطقة الرياض.
فجاء هذا المعرض او مجموعة المعارض التي تشكل لوحة فنية رائعة متناسقة قد بدأ بعرض تاريخي في قالب فني اكثر من رائع بعنوان (بحثاً عنك عبدالعزيز,,) اعدته واخرجته وصاغته فنياً وفوتغرافياً الاميرة/ سارة بنت ماجد بن عبدالعزيز هذه الاميرة الاصيلة والفنانة القديرة التي طوعت العمل التاريخي في قالب فني من طراز راق مختلف شد الانتباه في فكرته ولوحاته الفنية ومؤثراته الصوتية حيث قدمت عملا فنيا لفعل بطولي يجسد المرحلة الاكثر اهمية في وضع اللبنات الاولى في اعادة بناء المجد فتح الرياض، اتمنى لو كنت ناقداً فنياً لأوفي هذا العمل الابداعي حقه وانني على يقين ان كل من سيشاهد او يستمع ويشاهد هذا العمل الرائع لسمو الاميرة/ سارة بانه سيقف للابداع اجلالاً.
بعد مشاهدة هذا العرض من خلال الصوت والصورة تم الانتقال الى بقية المعارض حيث معرض لوحات الاميرة/ سارة بنت ماجد (بحثاً عنك عبدالعزيز,,) ومعرض الزي التراثي حيث تجد معرضا متكاملا للزي التراثي لابناء هذا الوطن رجالا ونساء ومن كل مناطق المملكة وهي ازياء تراثية اصيلة ابدع القائمات على هذا الجانب من المعرض اتقان العرض بطريقة مهنية راقية يتوارى معها ادعياء التخصص خجلاً, وكان الامير سلمان ضيف شرف هذا المعرض قد توقف اكثر من مرة شارحاً وظيفة وتاريخ ومناسبة كل قطعة من هذه القطع التراثية مثلما توقف شارحا الصور التاريخية التي هي جزء من هذا المعرض للمصور المهندس الامريكي توتشل الذي استقدمه الملك عبدالعزيز يرحمه الله للبحث عن المياه في اكثر من موقع في انحاء المملكة عام 1931/1350والامير سلمان بن عبدالعزيز يعد حجة في كل جزئية من تاريخ المملكة بشكل يذهل المؤرخين.
من معرض الزي الى معرض (ابواب نجد) حيث تجد الاصالة والاتقان والمهارة لتراث كدنا ان نهمل قيمته وذهب اكثره واثمنه من الناحية التاريخية نتيجة الاهمال، واذكر بهذه المناسبة ان احد اصدقائي المستشرقين الانجليز عزمني الى بيته فكان لايبعد عن لندن كثيراً فكانت المفاجأة ان وجدت باباً تراثياً من ابواب نجد التراثية يزين به صديقي صدر مجلسه وعلى حد قوله: انه اغلى قطعة تراثية يعتز باقتنائها كان ذلك الباب الجميل مع كبر حجمه يحتل حائط صدر المجلس، والمفرح ان الجمعية الخيرية ادراكاً منها بأهمية هذه القطعة التراثية النادرة تمتلك اثنين وسبعين باباً احاطتها بعناية فائقة.
من معرض الابواب الى معرض الختم، والختم هنا هو ختم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود.
وان لم يكن القصد لمعدي المعرض ان يقوموا بعرض هذا الختم الذي يجسد كل معنى لعظمة التاريخ- من الناحية التاريخية وانما لقصد خيري في انتاج قطع ثمينة وجذابة يعود ريعها للاعمال الخيرية للجمعية، أليس عبدالعزيز وختمه بكل مايحمله من معان هو رمز الخير والعطاء، وقد احسنت القائمات على الجمعية دقة اختيار وعظمة مايحمله هذا الختم من معنى.
ماذا عن هذه الجمعية؟ وماذا عن فضله علي وعلى اهلي؟
دعني ابدأ بالتعريف بهذه الجمعية وتاريخ تأسيسها ثم اتي الى قصتي الطويلة والجميلة معها.
تأسست جمعية النهضة النسائية الخيرية في عام 1382ه الموافق 1962م.
اما اهدافها فهي خدمة المجتمع السعودي وقد قدمت خدمات ريادية في مجالات متنوعة منها محو الامية وكما يبدو لي ان هذا اول هدف من اهداف هذه الجمعية الرائدة عند تأسيسها إيماناً من القائمات بان الأمية هي العدو الاول للامة وهل لامة من امل ان ترى النور وهي قابعة في ظلام الجهل وفي رأيي ايضاً ان الجمعية ادركت ان امية المرأة اشد خطراً من امية الرجل وما تحمله من انعكاسات سيئة على كل الاسرة ومن ثم على كل الامة، ومن هذا المنطلق اولت الجمعية اهمية قصوى للمساهمة في محو امية المرأة ومنذ السنوات الاولى لتأسيسها, ثم توسعت خدماتها لهذا المجتمع تشمل جوانب مختلفة مثل تعليم الكفيفين بطريقة برايل، انشاء مراكز صحية، انشاء اول مركز للتعليم المتواصل، انشاء اول حضانة ايوائية، انشاء اول مدارس للتعليم الخاص لمتلازمة دوان وغيرها وغيرها.
اما قصتي مع هذه الجمعية وهي قصة لاتنسى فتعود الى مطلع عام 1389ه، حين قدمت زوجتي الى الرياض لاول مرة من بلدتنا في منطقة عسير بعد زواجنا بشهور قليلة، وفي ذات العام دخلت كلية الآداب بجامعة الملك سعود وكنت افكر في زوجتي التي لم تكن قد عرفت لها طريقا الى المدرسة، حيث لم يكن تعليم الفتيات قد وصل الى بلدتنا وكانت تملك كل الطموح والقدرة والرغبة في التعليم ولكن كيف,,؟ وما الوسيلة التي تمكنها من تحقيق تلك الامنية لها بل لي معها وبما يتلاءم مع الظروف بشكل عام، قرأت اعلانا في احدى الجرائد عن بدء التسجيل في برنامج محو الامية في جمعية النهضة النسائية الخيرية ففرحت كثيراً بهذا الاعلان وقلت لزوجتي وجدتها,, وجدتها,, فقالت ماذا وجدت، قلت وجدت مكاناً لتتعلمي فيه ياسيدتي الجنوبية الذكية، وكدنا أن لانعرف طعماً للنوم طوال تلك الليلة ننتظر انبلاج نور الفجر للوصول الى مكان الجمعية ونتصور ونحلم بذلك المستقبل الذي ارى فيه رفيقة العمر وام اولاد المستقبل تعرف كيف تقرأ وتكتب حيث ما اكثر ما كانت تردد على مسمعي قولها كم اتمنى لو اعرف اقرأ هذه الجرائد واعرف شيئا مما في هذه الكتب التي تملأ كل مكان في بيتنا الصغير الذي لم يكن به سوى مجلس بسيط وغرفة نوم صغيرة ومطبخ اكثر منها صغراً وبينهما مساحة صغيرة تستقبل فيها صديقاتها، وكم كنت والله اعلم أتألم لما تشكو منه وكم كنت اكثر منها حرصاً على ان اراها وقبل ان نرزق بأول مولود وهي تعرف الحد الادنى من القراءة والكتابة, وبعد ظهر صبيحة اليوم الثاني ذهبت بها الى حيث يقع مقر الجمعية في شمال الرياض في السليمانية وكان مقرها آخر بناء في النطاق العمراني لمدينة الرياض من الجهة الشمالية وكم كانت خائفة فرحة حيث انها بهذه الخطوة تدخل الى عالم جديد آخر، ووصلنا الى عند باب الجمعية ودخلت وهي اكثر خوفاً وقلقاً وانا لست بأحسن حال منها وبعد فترة عادت الى وهي الفرح اكثر وقد تبددت كل مخاوفها بسبب المقابلة الحضارية والانسانية التي قوبلت بها وزاد من فرحتها وطمأنينتها اكثر بان كان من ضمن من قابلتهم سمو الاميرة سارة الفيصل المسئولة عن الجمعية كان اول ماقالت قابلت بنت فيصل هل تصدق ذلك انها مديرة الجمعية، لم اكن اعرف من قبل من هن القائمات على تلك الجمعية فزادت الطمأنينة لكلينا وطلبوا عنوان سكننا حيث ستقوم سيارة الجمعية بأخذها من البيت وايصالها اليه اي حلم نحن فيه يا رفيقة عمري الذكية؟
ان هذا العمل التطوعي الخيري الرائع ادخل في قلوبنا السعادة وفتح الطريق لواحدة من بنات هذا الوطن نحو مستقبل مشرق وحياة اسرية رائعة، ننعم بها الآن لم تمض الا عدة شهور واذا برفيقة العمر قد تغيرت احوالها ودخلت عالما جديدا من الحياة حيث كان لديها كامل الاستعداد لذلك, لم تكن الجمعية مكاناً لمحو الامية فقط ولكنها مدرسة اجتماعية متكاملة تتعرف المرأة من خلال ذلك المجتمع الصغير الجميل على الكثير من المعارف التي تساعدها على حياتها، كان لتلك الفترة التي قضتها ام خالد في ردهات وفصول الدراسة في تلك الجمعية تأثير بالغ في مجرى حياتها المستقبلية وحياة اسرتها حيث شهدت في اجواء هذه الجمعية بداية ولادة جديدة مازال اثرها الى اليوم.
قبل اكثر من فصل أنهت بناتي تعلمهن في الجامعة وكن بحاجة الى تعلم مهارات من نوع معين في الحاسب الآلي فذهبن للتسجيل في دورة تقدمها نفس الجمعية فأثرن بذلك شجون ذكريات الايام الاولى لام خالد فذهبت معهن لتستعيد ذكريات تلك الايام الرائعة في حياتها وهي ايام لاتنسى وهي تمني نفسها ان تقوم بأي عمل تطوعي لصالح هذه الجمعية التي قدمت لها ما لا تستطيع ان توفيها حقها.
وفي مساء افتتاح معرض الجمعية ودورها الحضاري والثقافي والاجتماعي لمصلحة بنات وابناء هذا الوطن تداعت الى الذاكرة ذكرى ثلاثين سنة مضت, وفق الله القائمات على هذه الجمعية وضاعف لهن الاجر واكثر من العاملات الصادقات المخلصات لخدمة هذا الوطن واهله، وكل شيء يذهب الا ما يقدم في خدمة الاوطان.
* عضو مجلس الشورى