في الصميم د, خالد آل هميل لماذا الغضب من التقارب السعودي الإيراني؟! |
شهدت العلاقات السعودية الايرانية خلال السنوات التي اعقبت قيام الثورة الايرانية توترات وأزمات حادة ومتلاحقة لم يكن للمملكة العربية السعودية يد فيها,, فعندما تسلم الامام الخوميني السلطة في ايران بدأ بسياسة تصدير الثورة الايرانية التي تعني على ارض الواقع تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدول الاخرى ومنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومما زاد حمى هذه التوترات محاولات الحجاج الايرانيين المسيسين خلق الفوضى بين ضيوف الرحمن في مكة المكرمة,, وقد كان للحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثماني سنوات دور سلبي على العلاقات السعودية الايرانية على الرغم من ان المملكة العربية السعودية ومعها بعض الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الاخرى سعت في سياساتها عبر محورين هامين: الأول هو المحافظة على وحدة وسيادة العراق، والمحور الثاني هو اقناع القيادة الايرانية بوقف الحرب التي اشعلها (صدام حسين) ثم اخذ يستجدي وقفها، ولكن ايران كانت ترفض ذلك لاعتبارات داخلية، ومع ان المملكة العربية السعودية كانت من ابرز الدول المتضررة من هذه الحرب شأنها شأن العراق وايران فان بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم تضع في حساباتها السياسية ما يحدث من اضرار للدول الشقيقة، بل كانت منفتحة تماماً على ايران تدعم مجهودها الحربي وذلك بفتح موانئها واسواقها لخدمة هذا الغرض دون مراعاة لاشقائها، ومع ذلك فان المملكة العربية السعودية لم تعترض على سياسة هذه الدولة او تلك العضو في مجلس التعاون, فقد رأت انه من حقها وضمن سيادتها وحرية قرارها أن يكون لها خط سياسي يخدم مصالحها حتى ولو اختلف مع توجهات الاشقاء.
اذن فالمملكة العربية السعودية لم تكن في يوم من الأيام وصيّة على سياسات الدول الاخرى وبالتالي فان على هذه الدول ان تعطي هذا الحق ايضاً لبلادنا, وفي هذه الحالة فإن ما سمي بالهرولة السعودية تجاه ايران كلام فارغ لا يرقى لمستوى المناقشة او الحوار، لكون هذه الدول التي تتهم المملكة بهذا الاتهام لم تكتف بالهرولة لايران بل جعلت من بلادها ميداناً اعلامياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لخدمة طهران في مواجهة العراق والدول الخليجية الاخرى وذلك اثناء الحرب العراقية الايرانية وكان حري بها ان تلعب دوراً سياسياً مؤثراً لخدمة جميع الاطراف وتهدئة التوترات, ويبدو انه قد غاب عن ذهن بعض الاشقاء ان ايران دولة كبيرة تفرز سياسياً الدول المؤثرة في صناعة القرار السياسي في المنطقة لهذا قلبت ظهر المجن لسياساتها الاستفزازية السابقة تجاهها.
ففي عهد الرئيس رفسنجاني بدأت ايران تتلمس الطرق والوسائل المشروعة لتحسين العلاقات الايرانية السعودية وقد كان لوجود صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني على رأس وفد بلاده للمشاركة في القمة الاسلامية المنعقدة في باكستان فرصة هامة لايران للحوار البناء مع القيادة السعودية، وقد كان لهذه اللقاءات التي عقدت بين الرئيس رفسنجاني وسمو الأمير عبد الله في باكستان مجال واسع لاذابة الجليد في العلاقات بما يخدم البلدين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, ثم كان اصرار الرئيس رفسنجاني على مشاركة المملكة العربية السعودية في القمة الاسلامية في طهران التي عقدت بعد ذلك الدور الأكبر في تفاهم الطرفين لما فيه خير الأمة الاسلامية والعربية, فقد احتفت القيادة الايرانية ممثلة في الرئيس خاتمي والرئيس رفسنجاني والامام خامنئي بالقيادة السعودية المشاركة في القمة ادراكاً منها ان تفاهم القيادتين الكبيرتين يصب في صالح السلم والأمن ليس في منطقة الشرق الاوسط فحسب ولكن على مستوى العالم اجمع.
فلماذا الغضب الذي عبرت عنه بعض الرموز في بعض الدول الشقيقة تجاه التقارب السعودي الايراني؟
لماذا يحاولون ان يجعلوا من انفسهم اوصياء على سياسة دولة كبيرة قائدة ورائدة لا تأبه بمثل هذه الأمور؟
لماذا لا يتذكرون سياساتهم السابقة القوية والمتينة مع ايران في وقت كانت العلاقات السعودية الايرانية تشهد قمة التوترات والتراشق بالنار في مكة المكرمة وعلى الحدود اثناء الحرب العراقية الايرانية.
لماذا لم تحاول المملكة العربية السعودية ان تقوم بمثل ما يقومون به هذه الايام وهي قادرة على اكبر مما يقومون به الآن!.
الشيء المؤكد الذي لا يمكن القفز عليه ان تطور العلاقات السعودية الايرانية سوف يكون في مصلحة الاشقاء وخير دليل على ذلك تصريحات صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وهو في طهران اثناء زيارته الرسمية لها مؤخرا حيث كان سموه يتحدث عن المملكة العربية السعودية كجزء لا يتجزأ من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
فلماذا افتراض سوء الظن في المواقف السعودية والمملكة لم تفترض في يوم من الايام سوء الظن في الاشقاء على الرغم مما نالها من اضرار معروفة لدى الجميع؟
والذي ينبغي ان نعيه جميعاً ان اخطر ما يضير الدول غير المتمرسة في ادارة الازمات هو انتهاجها لسياسات انفعالية وردود أفعال متسرعة، فقرار قد يتخذ في هذه الأجواء كرد فعل غبي لن يقتصر ضرره على من صنعه وانما قد ينال الانسان والجغرافيا في بلاده.
بقي ان أقول اننا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يجمعنا من المحددات أكثر مما يفرقنا وبالتالي لا يمنع ان يكون لنا وجهات نظر مختلفة واجتهادات متباينة بشرط ان تأخذ بنا الى الامام.
لا بد ان نسقط الحساسيات.
|
|
|