كان يوم الخميس,, اليوم الذي غيب الوالدة الثانية عن الحياة، بعد صراع مرير مع المرض,, لم يمهل امي طويلاً كي امضي بخدمتها جنباً الى جنب مع بقية اخواني واخواتي,, كانت الساعة التاسعة مساء عندما غادرت غرفة الوالدة,, لإعطاء الفرصة امام الزائرين الذين تكبدوا عناء السفر من كل مكان لزيارة الوالدة الغالية,, لم اكن اعلم ان ذلك اليوم,, هو اليوم الأخير,, ولم يدر بخلدي ان تلك الزيارة والنظرة الى وجهها هي النظرة الأخيرة وهي على قيد الحياة، وإلا لما برحت المكان وما هي الا لحظات,, حتى انقلب السرور حزناً,, لم اكد اصدق وفاة امي سارة لكن هل من في قلبه ذرة من ايمان يستطيع انكار الحق,, فقد سبقك يا أمي إلى هذا المصير أمهات المؤمنين,, وكثير من الخلق,, اللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك,, يا رب العالمين .
وتعود بي الذاكرة الى كل همسة من همسات امي مع كل حركة من حركاتها مع كل موقف من مواقفها الحميدة,, ماذا أذكر عن أمي,, هل اتذكر القلب الكبير الحنون ام اتذكر اللسان الناطق بالخير حتى في آخر لحظة من عمرها ام اذكر صلاتها وركوعها وسجودها وهي تلتف بخمارها الساتر ام اذكر رعايتها لنا اطفالاً وسؤالها عنا كباراً,, ام أذكر احتضانها لابنة ابنها شيخة بعدما توفيت والدتها وهي مولودة الى ان اصبحت في مدرج الجامعة,, بمستوى ديني واخلاقي وعلمي رفيع، هل اذكر وقوفها الى جانب كل اخ او اخت سواء في مواقف الافراح او غيرها من المواقف التي تعترض طريق اي انسان,, هل استطيع ان انسى رعايتها لوالدي في مرضه الذي لا زال يعاني منه وهي قد فارقته,, ماذا اعدد من مواقف الذكريات وماذا اترك لكن اعدك يا امي سيكون كلٌّ منا يمثل شخصك وكأنك لم تموتي,, ستظل سجاياك العظيمة في قلوبنا مكانها وفي ابصارنا نورها الذي نستضيء به للسير على دربك الوضاء.
سنكمل مسيرة رعايتك لابنتنا جميعاً شيخة لن نتركها يوماً تشعر بفراقك ان شاء الله سنكون لها الاخوات المخلصات,, والأمهات الحانيات حبها في القلوب ومكانها في العيون، سنواصل مسيرتك في العناية بوالدنا,, وان كان حنانك لا يعوضه حنان وعنايتك لا يماثلها عناية، سنتقرب الى الله زلفى بأعمال طيبة بنية ان يتقبلها الله منا لك,, سنواصل عطاءك المحمود لن نقطع ما كنت تحافظين على وصله من الاقارب والاصدقاء والارحام,, محاولين ابقاء والدتنا ساره موجودة على قيد الحياة لا بجسدها الطاهر بل بأعمالها واقوالها فنامي قريرة العين، في دار الخلد مع الصالحين من عباده إن شاء الله، فانك وان رحلت عنا الا ان حبك باق وذكراك العطرة تفوح في كل مكان,.
اما انت يا شيخة,, يا خليفة أمنا فينا في ملامحك نرى امنا، وفي كلامك نسمع قولها في حركاتك وهمساتك,, ذكرى الأم التي رحلت ولكنها,, تركت ما سيبقيها,, حية في القلوب قبل العيون,, وفي الحياة بعد الممات فيها انقضى عنك غبار الحزن فإن الله معك,, وستجدين فينا الأم، والأخت، والصديقة، والزميلة، لنواصل جميعاً مسيرة الأم الغالية رحمها الله وأدخلها فسيح جناته,, وعسى ان نكون ممن قال الله تعالى فيهم,, وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون امين يا رب العالمين .
مزنة سعيد العمري
الرياض