يقصد بالوقف في الفقه حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله، والوقف من الأعمال الخيرية التي يتسع نطاقها ليشمل أبواباً متعددة يصعب حصرها وتتنوع اغراض الوقف,, فقد شاع بين المسلمين وقف الارض لبناء المساجد ووقف العقار بشكل عام للانفاق من غلته على مصالح المسلمين كالمدارس وانشاء الطرق وصيانتها ومصادر المياه وطلب العلم وغير ذلك.
وتختلف اغراض الوقف من زمن لآخر ومن مكان الى مكان تبعا لاختلاف الحاجات وتنوعها فمثلاً يجوز الوقف على انشاء المستشفيات وادارتها او على توفير مياه الشرب او على البرامج المخصصة لرعاية اصحاب الدخول المتدنية او على نشر العلم وما يتعلق به وفي هذا المجال الاخير يمكن ان يوقف المال لصالح تمويل برامج معينة في الجامعات وفي المؤسسات العلمية والتعليمية.
والوقف بالمفهوم الشامل يغطي قطاعاً واسعاً من الخدمات التي تقوم الحكومة بتوفيرها او الانفاق عليها ولو امكنت الاستفادة منه بطريقة سليمة ووجه الوجهة المناسبة لساهم بشكل كبير في توفير كثير من الخدمات التي يحتاج اليها المجتمع ولعمل على التخفيف من الأعباء المالية التي تتحملها الحكومة وهو اسلوب يجد القبول لدى افراد المحتمع نظراً لكونه احد اشكال القرب وفعل الخير الذي يثاب عليه الشخص كما انه صدقة جارية يستمر اجرها بعد الممات.
ومن الناحية الاقتصادية يعد مصدراً مالياً جيدا للانفاق على الكثير من المشروعات والخدمات التي يمكن ان تمول عن طريقه بل ويمكن ان يكون اكثر كفاءةمن البدائل الاخرى التي تستخدم في توفير الموارد المالية اللازمة وذلك لأن هذه البدائل غالباً ما تكون مقترنة بتكاليف ونفقات كبيرة تؤثر سلباً على الايرادات الصافية التي يمكن الاستفادة منها الى جانب ان هذه البدائل قد يكون لها اثار اقتصادية غير جيدة على بعض المتغيرات ويفترض في المقابل ان تكون التكاليف المرتبطة بالقيام على الاوقاف والاستفادة منها متدنية الى حد كبير لأن هذا عمل تطوعي لن يواجه مشكلة في اجتذاب الكفاءات والكوادر الأمنية التي لديها الاستعداد للعمل تطوعاً في هذا المجال أو بأجور غير مبالغ فيها كما ان الوقف لن يواجه مشكلة التهرب القانوني او غير القانوني الذي تعاني منه بعض البدائل الأخرى كالضرائب والذي يؤثر سلباً على الايراد لنفس السبب السابق.
ورمبا يصعب على الكثيرين تصور قيام نظام الوقف بدور فاعل في المجتمعات الاسلامية ومرد هذا التصور هو عدم الادراك والفهم الصحيح لنظام الوقف وآلية عمله.
يضاف الى ذلك عدم تفعيل هذا النظام في حياة المسلمين المعاصرة بالشكل الذي يناسب مشكلات الزمن والحاضر ويتواءم مع احتياجات المجتمع.
وأتصور انه لنجاح نظام الوقف وقيامه بدوره المفترض لا بد من توافر مجموعة من العناصر التي من أهمها وضع اطار فقهي لهذا النظام مبني على القواعد والأسس الشرعية الحاكمة لهذا الجانب ويعالج مشاكل واحتياجات المجتمع المعاصرة بحيث يكون ممكناً صياغة نظام يحدد كيفية انشاء المؤسسات والهيئات ذات العلاقة بالأوقاف,, ويحدد ايضاً الآلية التي تدار بها وطريقة اختيار وتعيين القائمين عليها واساليب مراقبة ادائها هذا في الجانب النظري,, اما في الجانب العملي فانه ينبغي العمل على ايجاد مؤسسات يديرها اشخاص مؤهلون للاشراف على الاوقاف وادارتها واستثمارها بناء على الأسس والاساليب المتبعة في المؤسسات المماثلة.
ولا شك ان ادارة الاوقاف بطريقة سليمة ستعمل على تشجيع الافراد على الاهتمام بهذا العمل الخيري وستكون عاملاً مساعداً على جذب المزيد من الاوقاف وفي نفس الوقت تؤدي الادارة الجيدة الى زيادة كفاءة هذه الاوقاف والارتقاء بدرجة الاستفادة منها.
ويمكن القول بأن إحياء نظام الوقف وتفعيله في حياة المجتمعات الاسلامية يوجد حلاً للعديد من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها هذه المجتمعات متطابقاً مع عقيدتها ودينها مما يجعله جديرا بالقبول ويغنيها عن البحث عن الحلول الجاهزة لدى الغرب والتي ربما عجزت عن حل مشكلات المجتمعات التي نشأت فيها فهي على حل مشكلات المجتمعات الاخرى اعجز,, ولربما يتغير الوضع ويصبح المسلمون مصدرين للحلول لا مستوردين لها.
* قسم الاقتصاد الاسلامي - جامعة الامام محمد بن سعود