حول مفهوم الثقافة د, مصطفى رجب |
لعل مصطلح الثقافة من أكثر المصطلحات إثارة للجدل في ميادين البحث المختلفة في العلوم الاجتماعية، لأنه أكثرها تناولا واستعمالا في تخصصات شتى، حتى ذهب بعض دارسي علم الاجتماع الثقافي الى ان هناك أكثر من مائة تعريف للثقافة لعلماء ينتمون الى تخصصات مختلفة، منها الأنثروبولوجيا، الأنثولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس والطب العقلي، والاقتصاد، والسياسة، والجغرافيا وغيرها، وسبب ذلك ان الثقافة طبقا لأشهر تعريفات الأنثروبولوجيين تتضمن كل نواتج الحيا الانسانية مادية كانت أو عقلية، وهذا هو الحد الأدنى المتفق عليه في معظم التعريفات.
ويلتبس بمفهوم الثقافة مفهوم آخر مقارب هو مفهوم الحضارة، فهل حين نتحدث عن ثقافة أمة ما من الأمم ندرك أننا نتحدث عن شيء مختلف عن حضارتها؟ وهل حين نسخر من الحياة الغربية أحيانا نميز بين الحضارة الغربية والثقافة الغربية؟ أو ندرك أننا نتحدث عن نمط الحياة ؟ الواقع ان افضل تمييز بين المفهومين المتماسين: الثقافة Culture والحضارة Civilization هو ما ذهب اليه عدد من كبار رجال الاجتماع الغربيين مثل تايلور وماك ايفر وألفريد فيبر من قصر الثقافة على الجانب الروحي القيم والمعتقدات: الدين والفلسفة والفن,, الخ وقصر الحضارة على الجانب المادي العلمي أو الأنشطة التكنولوجية.
وعلى ذلك فإن تعبيرنا عن كراهية نمط الحياة لشعب من الشعوب أو اعجابنا به، هذا التعبير ينصرف مباشرة الى ثقافة ذلك الشعب التي تعني لغته، قيمه، معتقداته، طرق الحياة المادية، تناول الطعام، التحية، التصرف، الشعور.
ووفقا لهذه التفرقة فإننا حين ننظر الى الحضارة نجدها حالة خاصة من حالات الثقافة، فالابداع العمراني أو التكنولوجيا العسكرية أو ما الى ذلك هو عمل من صميم الحضارة، ولكنه من جهة اخرى يعبر عن وضع ثقافي كان سائدا في مجتمع ما عند انتاج هذا العمل الحضاري.
وهناك أخطاء جسيمة في مجتمعاتنا العربية نشأت عن عدم اهتمامنا بتبني مفهوم محدد للثقافة، ومن أهم هذه الأخطاء ان نظم التعليم العربية اصبحت عملية ميكانيكية معرفية فقط، بمعنى أنها لم تعد تولي اهتماما لمسألة التربية أو البناء الخلقي للفرد، ومن هنا نشهد يوميا الانحرافات السلوكية وتضاؤل الانتماء بين الشباب وغيرهما من مشكلات هي بالدرجة الأولى تربوية، وقد يكون هؤلاء الشباب متفوقين دراسيا أو ممتازين طبقا لمعايير التحصيل المدرسية السائدة، وقد ترتب مثل هذا الخطأ على خطأ آخر، هو عدم فهم الطبيعة الخلقية لعملية التعليم التي هي بدورها عمل ثقافي.
ومن هذه الأخطاء كذلك الاعتقاد الشائع بأن التنمية عملية ميكانيكية يمكن اتمامها بتطوير وسائل الانتاج ورفع معدلات الاستثمار مع ان العنصر البشري هو العامل الحاسم فيها, ومن ثم فلا تنمية بلا ثقافة ولا ثقافة بلا تنمية.
|
|
|