يقوم الكتاب برسالة مهمة في تنمية الأمم، ورقيها، وحفظ تراثها وتعليمها، وكانت الأمة الاسلامية منذ عصورها الأولى تعتني عناية خاصة، بالكتاب وتوفيره للمحتاج اليه، وتيسير تداوله، وقد جعل الكثير منهم ضمن صدقاتهم الجارية وقف بعض الكتب، ولا شك ان وقف الكتب من اعظم القربات الى الله سبحانه وتعالى، فبوقفها تتحقق أمور عظيمة هدف لها الشارع فهي من استعمال المال في طاعة الله - سبحانه وتعالى - واستهلاكه، واستغلاله في الحق، والنفقة في هذا الجانب من باب الصدقات المخلوفة التي وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - اصحابها بالتعويض في الدنيا، والمثوبة عنها في الآخرة كما قال - صلى الله عليه وسلم-: ما نقص مال من صدقة بل تزيده بل تزيده .
كما أن وقف الكتب من الصدقة الجارية التي يدوم الانتفاع بها الى ما شاء الله، وهي تجمع - مع ذلك - من العلم الذي ينتفع به، وينطبق عليها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه مسلم: اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، او علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له.
فمن وفر الكتب او المكتبات للناس فقد سهل لهم سبيلاً من سبل العلم النافع الذي يدوم أجره في حياته وبعد مماته، ولعل مما يصدق ذلك الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا حسد الا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق - ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها رواه البخاري في كتاب العمل.
ومن المعروف ان بعض الناس لا يملك العلم ولا يستطيع ان يتعلم، او يعلم، لكنه في الوقت نفسه يملك المال الذي يخدم به العلم فهو يؤدي رسالته في المجتمع المسلم من هذا الجانب بخدمة الكتاب وتوفيره وايجاد المكتبة الوقفية التي تخدم طلاب العلم.
ومن الأمور التي أحب التذكير بها ان الكثير من طلبة العلم لديهم مكتبات منزلية او خاصة جيدة وتحتوي على نفائس الكتب، وعند وفاته قد لا يقدر الورثة القيمة الحقيقية لتلك الكتب وقد تترك مركونة دون الاستفادة منها، كما انها قد تكون مثار نزاع بين الورثة، وهم في غنى عنها، وبالتالي فاني اذكّر امثال هؤلاء بأن يوصوا بكتبهم ومكتباتهم بعد موتهم بوقفها على بعض المكتبات العامة، كما اذكّر المسؤولين عن المكتبات بضرورة الكتابة لطلبة العلم حول هذه القضية وابراز من قاموا بذلك منهم ووضع اجنحة خاصة بهم في المكتبات تذكر بفضلهم في هذا الجانب، كما يمكن ان يركز عليهم ايضا في الوصايا العامة بأن يجعل جزءا منها لصالح المكتبات الوقفية، وهذا أيسر عند الكثيرين.
نسأل الله للمحسنين الدرجات العلى في الدنيا والآخرة، وان يخلف على كل محسن بخير فهو المستعان.
د, عبد العزيز بن إبراهيم العُمري
الاستاذ المشارك بكلية العلوم الاجتماعية بالرياض